Skip to main content
إيران وأميركا.. أين العرب؟
محمد الفرسيوي
لم أتفاجأْ، حين أعلنَ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمامَ الملإ، استعدادَه للجلوسِ إلى طاولةِ الحوارِ مع مَنْ يحكمُ إيران.
لم أتفاجأْ إطلاقاً، ليس فقط، لأن مثل هذه القرارات صارتْ لدينا سابقةً معروفةً، منذُ حالةِ كوريا الشمالية غير البعيدةِ في الزمن مثلاً؟ ولكن أيضاً، لأن الإدارة الأميركية، في طبعتها الإمبريالية مع ترامب، قد علّمتِ الدولَ والشعوبَ كلها بأنْ لا تفاجأ أبداً، من مثلِ هذه المواقف المزاجيةِ أو من تلك السياساتِ الخادعةِ التي تظهرُ الربيعَ وتخفي الحافة.
لكن فوجئت كثيراً، وأنا أقرأ مقالةً لكاتبٍ أردني في شأنِ تلك العلاقةِ المنشودةِ بين العرب ودولةِ إيران، خصوصاً بعد صمودِ المنطقةِ في وجهِ كل مَنْ هَب ودَب من أصنافِ القتلةِ في العالم، من الإمبرياليين والصهاينة والرجعيات.
فوجئت فعلاً، سيما أن صاحبَ المقال بذلَ مجهوداً ملحوظاً كي يثيرَ في العربِ سؤالاً حيوياً بسيطاً: لماذا تأتي الدعوة للحوارِ مع إيران من أميركا، وليس من العرب؟ لِمَ أتتْ من ترامب، وليس من السعودية ودويلات الخليج عموماً؟ لماذا لا تأتي مثل هذه المبادرات من مصر أو من المغرب أو من أي دولة عربية أخرى؟
أميركا، على لسانِ ترامب، تعلنُ استعدادَها للجلوسِ على طاولةِ الحوارِ مع إيران، بدون شروطٍ مسبقة! فلماذا لا يبادرُ العربُ إلى الحوارِ مع إيران؟ ولماذا لا يكونُ الحوارُ هو الأساس بين إيران ودولِ الجوار؟ وماذا ينتظرُ هذا الحوارُ، كي يبدأَ وينطلق؟
هذا هو السؤالُ الآني، على ضوءِ ما يجري على الأرضِ وفي السياسةِ أيضاً، الذي أرّقَ الكاتبَ في مقالته، وهذا هو السؤالُ الذي ينبغي أنْ يتصدى له اليوم، كل مَنْ تاه من حكامِ ونخبِ العرب، كل مَنْ باعَ من نخبِ العرب وحكامهم، وكل مَنْ مِنْ تلك الطينةِ مِنَ العرب، التي تتطلعُ للتحررِ والحياة، وللكرامةِ والتقدم، ولاستعادةِ الإشعاعِ والازدهار.
أعداءَ المنطقةِ والعرب معروفون. وإذا ما اختلطتِ الأمور على بعضِنا، في غفلةٍ من الوفاءِ والوعي والثوابت، وجبَ توجيهُ النظر، ومعها أصابعُ الاتهام إلى إسرائيل وإلى صناع إسرائيل من القوى الاستعمارية كلها، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وفرنسا.
ولا شك أيضاً أن إسرائيل هذه ومعها قوى الهيمنةِ والاستعمارِ والإخضاعِ السالفةِ الذكر، بتواطؤٍ مع الرجعياتِ المحليةِ وبعضِ الخونةِ وضعافِ النفوسِ المحسوبين على العرب، قد نجحتْ منذ العقدين الأخيرين في مواصلةِ التنكيلِ بالشعبِ الفلسطيني وتدميرِ العراق وتمزيقِ لحمته الوطنية، وفي إطلاقِ مخططٍ أكثر إرهابيةً وتدميراً ووحشية، تحت عنوان ما سمي بالربيع العربي، في بلدانٍ عربيةٍ أخرى، وعلى رأسها ليبيا الممزقة وسورية الصامدة واليمن الجريح.
لكن إسرائيل ومن معها من الأغرابِ والأعراب، خسرتْ حرب تموز في لبنان خلال هذا المدة الزمنية نفسها، وخسرتْ معها أسطورةَ أنها القوة الضاربة والساحقة في المنطقة. ورغم حجمِ الدمارِ والأوجاعِ والأحزانِ الذي أُلحقَ بدولةِ سورية وبشعبها، فإن توازن القوى من الناحيةِ الاستراتيجية، ليس أبداً في صالحِ الكيان الصهيوني وقوى الهيمنةِ والاستعمارِ والأنظمةِ الرجعيةِ العميلةِ بالمنطقة.
لم تنته "المؤامرة المعاصرة" على العرب بعد. ولعل مِنْ بين أخطرِ ما تبقى من فصولها الرهيبة، إذكاء الصراعاتِ والحروبِ الدينية، في شقها المذهبي والطائفي والهَوياتي أيضاً، بين السنةِ والشيعةِ خصوصاً، بين العرب والأكراد أو الأمازيغ أيضاً، وبين باقي الإثنياتِ والطوائفِ والمذاهبِ عموماً.
وفي هذا السياقِ، يصبحُ الحوارُ والتفاهمُ والتعاونُ والتكامل "أعز ما يُطلب" في المرحلةِ الراهنةِ، بين العربِ والعرب، بين العربِ وإيران، وبين إيران والعرب. وذلك بالتزامنِ مع استكمالِ إنجازِ مهامِ التحريرِ والتحرر وبناءِ أوطانِ الحريةِ والكرامةِ والتقدم، وتشييد مجتمعاتِ الإنصافِ والمساواةِ وتكافؤِ الفرص.
هذه المؤامرةُ سقطتْ، لكنها لم تنته، فمَنْ أسقطها غير المقاومة؟ ومَنْ سيسقطُ فصولها القادمة غير المقاومة؟ وفي كل الأحوالِ؛ ما حك جلدَنا غير ظفرنا، فأما آنَ لهذا الفارسِ، أنْ يترجل؟ وأما آنَ لهذا الشرقِ، أن ينهض؟