إيران .. ماذا بعد فوز المحافظين؟

إيران .. ماذا بعد فوز المحافظين؟

27 فبراير 2020

إيرانية يهودية تقترع في طهران (21/2/2020/فرانس برس)

+ الخط -
جاءت نتائجُ الانتخابات التشريعية في إيران لتزيد من أعباء النظام على أكثر من صعيد. وتعكس نسبةُ المشاركة في هذه الانتخابات، والتي لم تتجاوز 42%، أزمةَ شرعيةٍ حادّة يواجهها هذا النظام، أمام عجزه عن التحكّم في التكاليف الداخلية لنفوذه الإقليمي الذي يواجه تحدّيات كبرى، خصوصا في العراق ولبنان. 
لا تتوقف هذه الأزمة عند حدود نسبة المشاركة، المتدنيّة نسبيا، بل تتخطّاها إلى دلالات فوز المحافظين في انتخاباتٍ كان يُتوقع أن تحمل تشكيلةً إصلاحيةً إلى البرلمان، يكون في وسعها أن تعيد بعض التوازن إلى السياسة الخارجية الإيرانية أمام احتمال عودة خيار التفاوض بين طهران وواشنطن.
فوزُ معسكر المحافظين يعني أن قدرة النظام الإيراني على التعبئة والتحشيد تتراجع، والخطابُ الثوري الذي طالما توسّل به بدأت موارده تتآكل بشكل ملحوظ. ولا أدل على ذلك من أن دعوة المرشد الأعلى، علي خامنئي، الإيرانيين، إلى التصويت بكثافة لم يكن لها صدى كبير، سيما بعد أن أقدم مجلس صيانة الدستور على إقصاء مرشحين معتدلين وإصلاحيين من خوض سباق هذه الانتخابات، ما يعني أن صدر النظام لم يعد يتسع حتى للمعارضة المعتدلة التي تشتغل من داخل مؤسساته. ويمكن القول إن المتغيرات الحاصلة على امتداد الإقليم عزّزت مخاوف الجناح المحافظ داخل النظام من أن تُفضي هذه الانتخابات إلى تغيير في علاقات القوة بين أجنحته المختلفة، بما يمكن أن يؤثر على تدبير طهران ملفاتها الإقليمية والدولية.
هناك حدثان دالّان كان لهما مقدار من التأثير في رسم الصورة التي أفرزتها هذه الانتخابات: يحيل الأول على الطريقة التي تعاطى بها النظام مع أزمة الطائرة الأوكرانية، حين أنكر، في البداية، أن قوات الحرس الثوري أسقطتها، قبل أن يعود ليُقرَّ بذلك، ويعترف بمسؤوليته عن إسقاطها خطأ. ويرتبط الحدث الثاني بإدارة طهران تبعات مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في غارة أميركية في العراق، حيث بدا واضحا سعيها إلى تجنّب المواجهة المباشرة والمكلفة مع واشنطن، والاكتفاء بالتضخيم الإعلامي لهجوم محدود على قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق.
أعاد هذان الحدثان إلى الواجهة مصداقية الإعلام الرسمي، وكان لارتداداتهما في الداخل تأثير واضح في عودة معسكر المحافظين إلى الإمساك بمفاصل صناعة القرار الإيراني، والتحكّم في مخرجاته الإقليمية والدولية، خوفا من أن ينعرج بالعلاقة مع الولايات المتحدة صوب آفاقٍ تعزّز فرص إيجاد تسوية إقليمية كبرى معها، خصوصا فيما له صلة بالملف النووي.
تؤشّر نتائج الانتخابات أخيرا إلى عودة قوية للجناح المحافظ والمتشدّد إلى واجهة السياسة الإيرانية، داخليا وإقليميا. فعلى الصعيد الداخلي ستزداد قبضة النظام على المجتمع، ما يعني تضييق الخناق على مختلف أشكال المعارضة، خصوصا المنبثقة من أوساط الطبقة الوسطى الحضرية، في مقابل تعزيز مواقع القوى المحافظة داخل مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والعسكرية، بيد أن ذلك لا يبدو أنه سيغير معادلة الصراع الاجتماعي والسياسي في إيران، حيث يُتوقع أن تتسع قاعدة الحركة الاحتجاجية المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، عبْر إيجاد حلول عملية لمواجهة تأثير العقوبات الاقتصادية التي باتت تثقل كاهل فئاتٍ واسعةٍ من الإيرانيين.
من ناحية أخرى، سيعمل النظام على استخلاص العائد الإقليمي لهذه الانتخابات، بإعادة الزخم لخطاب المقاومة والمواجهة (الإعلامية!) مع ''الشيطان الأكبر''، وتعزيزِ استراتيجيته القائمة على توزيع موارد نفوذه، وإعادة جدولتها وفق المتغيرات الحاصلة في الإقليم، سيما فيما يتعلق بمآل الحراكين، اللبناني والعراقي، وتحولات الأزمتين، السورية واليمنية.
يبدو أن التجاذب بين المحافظين والإصلاحيين، والذي شكّل جزءا من هوية النظام خلال العقدين الأخيرين، يتبدّد أمام النزوع السلطوي المتنامي للمحافظين إلى إحكام قبضتهم على مؤسسات الدولة. ولكن على الرغم من ذلك، تبقى خيارات النظام محدودة، خصوصا في الداخل، نتيجة تزايد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأميركية، وتصدّع الجبهة الداخلية، وهو ما سيلقي بظلاله على العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ من المستبعد، على الأقل حاليا، عودة خيار التفاوض بين الطرفين، ما يعني زيادة الضغوط الأميركية وما يترتب عليها من تبعات على الداخل.