إيران ـ أميركا.. لن تقع الحرب

إيران ـ أميركا.. لن تقع الحرب

28 يوليو 2018
+ الخط -
لم يكن خروج قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يوم الخميس الماضي، متحدّياً الأميركيين، سوى بفعل موافقة المرشد علي خامنئي الذي يبدو أنه أفسح المجال لسليماني، للحلول محل الرئيس حسن روحاني، في مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. على أن ذلك يُعدّ إشارةً إلى اللغة العسكرية المُستخدمة بين الأميركيين والإيرانيين، فقد هاجم سليماني ترامب، قائلاً: "حسابكم مع فيلق القدس، ونحن أقرب إليكم مما تتصوّرون"، حسبما ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية. وفي كلمةٍ له ألقاها، الخميس، في ملتقى أقيم في مدينة همدان غرب إيران، قال سليماني مخاطباً ترامب: "أنتم تعرفون قدرات إيران في الحرب غير المتماثلة"، محذّراً الرئيس الأميركي من أنه "إذا شنّ حرباً فإن الإيرانيين سينهونها"، حسبما أفادت صحيفة تسنيم نيوز، شبه الرسمية في إيران، الخميس. وأضاف: "أنت ربما قد تبدأ حرباً، لكننا سننهيها. اذهب واسأل أسلافك. لذا توقفوا عن التهديد. نحن مستعدون للوقوف ضدكم". كما نقلت قناة العالم الإيرانية، شبه الرسمية، عن سليماني قوله، إن "البحر الأحمر الذي كان آمناً لم يعد كذلك بعد الوجود الأميركي"، معتبراً أن "فيلق القدس خصمٌ مساوٍ للقوات الأميركية".
هل تريد إيران الاستمرار في التشابك مع الأميركيين، من حيث توقفت كوريا الشمالية؟ حتى الآن، تفيد كل المعطيات المعلنة بأن طهران اتخذت قرار المواجهة، استناداً إلى حروب ترامب التجارية مع أوروبا والصين، وتراجعه أمام الروس في قمة هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الحالي، واعتبار ذلك بمثابة عودة أميركية إلى الخلف. تبدو الخطوة الإيرانية في الشكل مشابهةً لكوريا الشمالية التي ذهبت إلى التصعيد المتبادل مع الولايات المتحدة طوال أشهر عامي 2017 و2018، قبل الاتفاق بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون على صفحة جديدة بين البلدين، مبنيةٍ على التعاون الثنائي.
الإيرانيون غير كوريا الشمالية. موجودون في العراق واليمن وسورية ولبنان. يريدون أن يحافظ الحوثيون على القوة النارية في مضيق باب المندب. وقد وجّه هؤلاء إشعاراً بذلك، فبقولهم إنهم "عبر طائرة مسيّرة طارت لمسافة 1500 كيلومتر فوق أراضي اليمن وعُمان استهدفوا مطار أبو ظبي"، مؤشر على أنهم قادرون، حتى لو خسروا محافظة الحديدة، على إقفال مضيق باب المندب الذي يبعد "بضعة كيلومترات فقط" عن صعدة وصنعاء، قياساً إلى المسافة بينهما وبين أبوظبي.
اعتاد الإيراني إطلاق التهديدات عبر التاريخ، خصوصاً ضد الأميركيين، لكنه لم ينفّذ أيا منها عملياً. لا يعمل الإيراني مباشرة، إلا في حالاتٍ نادرة، تاركاً لحلفائه العرب العمل الميداني. لذلك لا تعني تهديدات سليماني حكماً أن الحرب ستقع، بل لأنها لن تقع يُسمح بمثل هذا السقف العالي من التحدّي. لو أن هناك بادرة لوقوع حرب أميركية ـ إيرانية، لما كانت هناك تهديدات من سليماني، بل من خامنئي بالذات. كما أن هذه الحرب لن تدمّر الولايات المتحدة، بقدر ما أنها ستُنهي وجود النظام الإيراني، علماً أن الأميركيين لا يهتمون بشكل النظام، بقدر اهتمامهم بتوقيع اتفاق نووي جديد، والسهر على تطبيقه. وهو الهدف الأساسي من تهديدات سليماني، أي رفع الصوت لرفع سقف التفاوض والشروط المتبادلة في الملف النووي.
يدرك الإيراني أنه لن يستطيع الاستمرار طويلاً في الهروب من المأزق الاقتصادي الذي يعاني منه، كما أن المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها طهران ليست تفصيلاً في بلادٍ لم تشهد من قبل مثل هذا الحراك الاجتماعي. السؤال الأهم: أين يمكن أن تحدث مواجهة غير مباشرة بين الأميركيين والإيرانييين، تسبق توقيع الاتفاق النووي الجديد؟ سيكون العراق جيداً. سورية أيضاً، لكن اليمن هو الأساس بين البلدين، وسير المعارك هناك خاضع لمدى قدرتهما على فرض رؤيتهما، أو الحلّ الذي سيحكم بموجبه الفائز مضيق باب المندب.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".