إيران بعد المفاوضات النووية

إيران بعد المفاوضات النووية

06 يوليو 2015
+ الخط -
لا تفسير منطقياً لحالة الجمود التي تسود معظم ملفات المنطقة منذ عدة أسابيع، سوى انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات النووية التي يفترض أن تنتهي فترة تمديدها اليوم. فقد شهدت القضايا والصراعات في المنطقة تصاعداً ملحوظاً وسخونة مفاجئة، فور الإعلان عن مذكرة التفاهم المبدئية بين إيران والغرب، نهاية مارس/آذار الماضي. فبادر النظام السوري إلى تكثيف عملياته العسكرية. وبالفعل، نجح في استعادة مناطق كانت خارجة عن سيطرته، وفي إبطاء زحف قوات المعارضة نحو مناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية. وفي اليمن، بادر الحوثيون وعلي صالح إلى تكرار الهجوم على أهداف داخل الأراضي السعودية. وفي العراق، تصاعدت وتيرة الكر والفر بين قوات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ومليشيات الحشد الشعبي والقوات الكردية. في هذه المرحلة، كان العامل الإيراني حاضراً وواضحاً في تلك الملفات، وكانت واضحةً رغبة طهران في إبراز أوراقها الإقليمية، والضغط على إدارة باراك أوباما الذي لم يتمكن من إخفاء رغبته المحمومة في التوصل إلى اتفاق نووي، يحسب له قبل مغادرة البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، كانت كل الأطراف الأخرى تسعى، بدورها، إلى استباق الاتفاق بتصعيد الموقف وحشر إيران في الزاوية، استغلالاً لحرج موقفها التفاوضي مع الغرب. فكانت الرهانات كلها تتجه نحو التصعيد والتشدد من جانب كل الأطراف، على الرغم من أن المعطيات الموضوعية الخاصة بكل قضية لم تكن وحدها تكفي للتطور على ذلك النحو المتصاعد.
وما إن تم التوصل بين إيران والغرب إلى تفاهم مبدئي، حتى انحسرت تلك الفورة في مختلف الملفات على التوازي، فبدأت الأمور تتجه إلى الهدوء والتعليق في كل النقاط الملتهبة بشكل متزامن أيضاً. في سورية، تُراوح الأمور مكانها بين قوات الأسد وقوات المعارضة، وتراجعت وتيرة الحماس الأميركي لفكرة تدريب قوات المعارضة الإسلامية "المعتدلة". ولا تزال أنقرة تستمزج المواقف بشأن إقامة منطقة عازلة. لتصبح الصورة النهائية تعليق المشهد السوري، وحالة ترقب تسود كل الأطراف. في اليمن، هدأت وتيرة العمليات العسكرية المتبادلة. وتخندق كل طرف حول موقفه السابق من دون حلحلة أو مرونة فعلية، لا في ميدان القتال، ولا في المسار السياسي. لذا، تأجل مؤتمر جنيف ثم انعقد وانتهى من دون نتائج ومن دون تغيير، كأنه لم ينعقد. وفي العراق، أصبح الاهتمام متركزاً حول الخلافات الداخلية بين القيادات (محاكمة نوري المالكي) وإعادة النظر في منهجية التحرك ضد داعش. وللمرة الثانية، يبدو الارتباط قوياً بين ذلك الهدوء المتزامن في مختلف المناطق واقتراب موعد انتهاء المفاوضات الإيرانية الغربية. حيث إيران القاسم المشترك والطرف الأصيل في تلك القضايا والملفات معاً. ولما كان الاتفاق المفترض التوصل إليه يعد نهائياً، ويشمل كل النقاط العالقة بين طهران والغرب، ونظراً لما تتعرض له إيران من تحريض إسرائيلي وتشكيك من بعض الدوائر الغربية في نياتها المستقبلية تجاه المنطقة والعالم، كان منطقياً أن تعمد إلى التهدئة المباشرة وغير المباشرة في ملفات المنطقة وأزماتها. وهو الوضع الذي لن يكون من المنطقي استمراره، ولن تكون طهران مضطرة إلى الالتزام به فور انتهاء المفاوضات.
وأياً كان ما ستنتهي إليه المفاوضات النووية، بالتوصل إلى اتفاق كما هو متوقع، أو بالتمديد مرة أخرى، فإن ملفات المنطقة وقضايا المنطقة ستشهد تطورات وربما تحولات مهمة. وما ينبغي على العرب الانتباه إليه، أن تلك التطورات المتوقعة، سترتبط بالضرورة بما ستؤول إليه المفاوضات النووية. ما يعني أن حالة الكمون الإيراني الحالية لن تستمر طويلاً. وما إن تحين ساعة الصفر في المفاوضات النووية، اليوم أو قريباً، ستخرج إيران على المنطقة بسياسة أكثر عنفواناً وربما عدوانية. وما لم يكن العرب مستعدين لتلك اللحظة، سياسياً ونفسياً، فإن المكاسب الإيرانية من أي اتفاق مع الغرب ستتعاظم، ربما بأكثر مما يُمَنّي الإيرانيون أنفسَهم.


58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.