إيران.. الجمهورية أم الإسلامية؟

إيران.. الجمهورية أم الإسلامية؟

03 يناير 2018
+ الخط -
الناس ينظرون إلى رئاسة محمد خاتمي، وبرنامجه الإصلاحي كذكريات جميلة". .. هذا ما قاله مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر، نادر هاشمي. إن قدوم رئيس المكتبة الوطنية من غبار الكتب إلى سدة الرئاسة في إيران سنة 1996، كان حدثا من المستحيل أن يمرّ في الظلال بالنسبة "لليسار التقليدي" الديني، بل لكل المشهد السياسي الإيراني، بعد الثورة الإسلامية، إذ كان تتويجا لسجالاتٍ عجزت عن أن تتحول إلى تيار سياسي فاعل في مواجهة القوى التقليدية المرتكزة على البازار اقتصاديا واجتماعيا، وعلى قم أيديولوجيا، إلى رحاب السلطة والفاعل السياسي.
والأهم على الرغم من أن التغير "الإصلاحي" لم يخرج على أقانيم إيديولوجيا الدولة القائمة، أي فكرة "ولاية الفقيه"، إلاّ أنها أثبتت أنّ المراوحة بين المشروعية والمشروطية، بين الجمهورية والإسلامية والشكل العجيب للسلطة القائم على ثلاثية الرأس (مجلس تشخيص مصلحة النظام، مؤسسة الرئاسة، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية)، والأهم سجال البازار التقليدي والبورجوازية الصناعية الصاعدة، يستحيل أن يبقي حالة التوازن هذه على ما عليها.
لم تنجح "الخاتمية" في أن تغرس أقدامها في الأرض، وتحوّل زعيم الإصلاحيين إلى "باغ ومتمرّد" حسب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية سنة 2015، نظرا لدعمه "رموز الفتنة"، مير حسين موسوي وزعماء الانتفاضة الخضراء الذين التحق بهم في إقامتهم الجبرية .
يقوم نظام الحكم في إيران على موازنات سياسية وطبقية شديدة الحساسية لم تتوقّف على الحركة، في سجالٍ لا يخبو حتى يفور من جديد. لم ينجح محمد رضا بهلوي بآلياته السلطوية في ترويض البازار الإيراني أكبر قوة اقتصادية واجتماعية في بلاد فارس، والحاضنة للأيديولوجيا التقليدية الإيرانية.
لم ينجح هذا كله في كسر شوكة البازار، وتطويع قوته الجبارة، فنظام "الثورة الإسلامية" الذي قام على أعمدة البازار الاجتماعية، وبعد أن أنهى عملية التطهير السريعة ضد رجال دين كبار، مثل آية الله منتظري وزعماء ثوريين كأبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الثورية الجديدة، انغمس في أكبر حربٍ إجرامية في تاريخ المشرق مع النظام الإيراني وسط صعق أيديولوجي ديني شديد الكثافة، دفع خلفه ملايين الإيرانيين نحو محارق الجبهات اليائسة مع العراق.
دخلت إيران ما بعد حرب الخليج الأولى مرحلة الإعمار ومحاولة إدارة عجلة الإقتصاد المدمر. وساهم هذا الأمر اقتصاديا في بروز قوى اقتصادية صناعية حديثة، وأصبحت في مواجهة مع القوى البازارية المحافظة الماسكة بزمام الإقتصاد والحكم في إيران. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التناقض الاجتماعي الجديد في حقل السياسة بين قوىً تدفع نحو الإنغلاق والتشدد السياسي وقوى طموحها الاقتصادي الهيمني، يدفعها إلى الدفاع عن الانفتاح السياسي نحو الغرب. من دون أن نغفل جرها الشريحة المتعلمة التي ولدت ما بعد الثورة الإسلامية، ونحجت في إخراج مواقفها الفكرية والسياسية من أروقة الجامعات نحو الشارع في 2009، مع انتخابات أحمدي نجاد الثانية المثيرة للشكوك والجدل.
تثبت الإحتجاجات العارمة التي تجتاح إيران بما لا يدع مجالا للشك أن تشحيم محرك النظام الإيراني عاجز على إدامة حركته، والأزيز الذي كان من الممكن إصلاحه عبر شحنات التشدّد لا يمكن أن يخفي المأزق البنيوي للنظام الإيراني، فسجال المشروعية والمشروطية الصامت بدأ يخرج نحو حقل جديد للفاعل السياسي، وربما تكون "الخاتمية" وارتداداتها اللاحقة في 2009 مجرد تسخين فقط لقوى اجتماعية لا يمكن أن تبقى في الظلال.
يبدو أننا أمام إيران جديدة تتشكلّ، وأيضا نحن أمام تغيّر سيفيض حتما على كل المشرق العربي.
A80A474B-A477-4832-8437-9DA6F0E26A9C
A80A474B-A477-4832-8437-9DA6F0E26A9C
محمد محسن عامر (تونس)
محمد محسن عامر (تونس)