إنه الاقتصاد يا ساسة

إنه الاقتصاد يا ساسة

15 يونيو 2016
كيف استفاد العرب من مواردهم في بناء حليف سياسي(Getty)
+ الخط -
 

إن كان وضع الخارطة على طاولة المفاوضات، شرط ضروري لفهم الطرح السياسي، في إشارة لأهمية الجغرافيا، فإن وضع أرقام التبادل التجاري على باب غرف التفاوض السياسي، شرط أساس للوصول إلى الأهداف، إذ لا سياسة تضمن الديمومة، سوى تلك المنطلقة من تبادل المصالح، وربما ما سواها آني مرحلي يزول بزوال السبب، أو تمهيد لإبرام صفقات ومصالح اقتصادية.

بالأمس، وبالتزامن مع الكلام السياسي للمرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، الذي يصل حدود التهديد بتمزيق الاتفاق النووي، لما كان يسمى سابقاً "الشيطان الأكبر" وتنصّل واشنطن ودول الغرب من التزاماتها الاقتصادية تجاه طهران، من إلغاء العقوبات الاقتصادية والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة وتسوية الحوالات المالية والناقلات النفطية، يرمي - بالتوقيت نفسه - وزير الطرق الإيراني، عباس آخوندي، بطعم شراء طائرات مدنية أميركية بقيمة 27 مليار دولار، كصفقة أولية، لأن بلاده تحتاج إلى أكثر من 300 طائرة مدنية يزيد سعرها عن 70 مليارا، بعد إلغاء الاتفاق النووي الذي أزاح العقوبات عن قطاع الطيران المدني.

وبالمصادفة المحضة، وبنفس توقيت تصريحات الوعيد للمرشد والوعود لوزير الطرق، عرضت روسيا طائرتها التجارية الأولى للرحلات المتوسطة إم سي-21، التي قالت إنها تكسر السيطرة الحصرية لمجموعتي إيرباص وبوينغ على قطاع الطيران المدني، ومواصفات الطائرة الروسية هي ذاتها التي تطلبها طهران، إن من إيرباص أو بوينغ، لجهة طول الرحلات واستيعاب الركاب، لكن إيران لم تشر لطائرات حليفتها، رغم الالتقاء السياسي والاستراتيجي بين موسكو وطهران، إن في، أو على مناطق الطاقة بالشرق الأوسط، أو على جغرافيا عبورها لأوروبا، أي تركيا.


وعلى ذكر تركيا، وربما بالمصادفة البحتة التي قد يكون ربطها بالنزاع التركي الروسي "مؤامرة"، أعلنت غرفة التجارة والصناعة الإيرانية، وبنفس توقيت كلام المرشد الأعلى وكلام وزير الطرق، عن عزم غرفة الصناعة في اسطنبول على تأسيس منطقة صناعية في إيران تتكون من 140 وحدة بكلفة إجمالية تصل نحو 10 مليارات دولار.

نهاية القول: من منطلق لا عدو دائم بالسياسة ولا حليف أبدي بالاقتصاد، وفي محاولة لإسقاط تلك المصادفات العجيبة على واقعنا العربي، يتوثب على الشفاه سؤال: كيف استفاد العرب من جغرافيتهم أولاً واقتصادهم بشكل عام ونفطهم وغازهم تحديداً، في بناء علاقات سياسية تأخذ طابع الحليف والديمومة.

وربما الأهم، كيف عكسوا أنهار الدولارات المتدفقة جراء بيع زيت الصحارى، على بناء اقتصادات غير ريعية، تضمن استمرار الموارد، إن شح النفط أو تهاوت أسعاره.

ولكن، ولأن الاستفادة، كما الخيبة والارتهان، متفاوتة بين بلد وآخر، قد لا يصح التعميم، وإن كان لنا في تخفيض الموازنات وتقليص الإنفاق ومد اليد للصناديق السيادية والمنظمات الدولية المانحة، وبمجرد تراجع سعر النفط، مثال يمكن تعميمه على الجميع.

يبدو أن ثمة جغرافيا رسمت بخطوطها العامة، أو سترسم تباعاً بأكثر دقة وتفاصيل لمنطقة الشرق الأوسط، جغرافيا تحالفات وتكتلات لا يستبعد أن تعيد زمن الوصاية فتقسم المقسوم وتمزق ما هو غير قابل للقسمة، وتلك التحالفات التي تأخذ لبوسا سياسيا حيناً، أو شعارات إنسانية ومكافحة التطرف بقية الأحايين، منطلقها وغايتها الاقتصاد، وإن كان بأدوات وطرائق تعاط يجهلها بعضنا ويفتقر لأدواتها العارفون.

المساهمون