إنها سيكولوجيا الجماهير

إنها سيكولوجيا الجماهير

23 ابريل 2015
+ الخط -

نقاشات وحوارات وتساؤلات يتبادلها شباب محبط، محورها إن كانت شعوبنا العربية تستحق الديمقراطية، أم أنها خلقت لتعيش تحت أحذية الدكتاتوريات والعسكر؟ كان تساؤلاً يثير الحنق، خصوصاً عندما يصدر عن شباب وصل بهم الحال إلى الإحباط؛ وهم في الأساس يمثلون شريحة التغيير الحرجة!

هذه نظرة ولا شك تدعو إلى الهزيمة النفسية، حينما يُنظر إلى مجتمعاتنا أنها تنبت في أصل الجاهلية، وأنها تستحق السحق وليس لها إلا المحق، والعيش في الذل طوال حياتها أو مماتها إن صح التعبير، وأن المؤامرة العالمية أكبر من أن نتجاوزها أو نتعامل معها، والمحصلة النهائية: الناس ولا شك هالكون أو في طريقهم إلى الهلاك!

نستحضر في هذا السياق الاستنتاجي الحديث النبوي الشريف (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) أو (فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ)، ومثل هذه الإحباطات والتفاعلات بطابعها السلبي ليست مستغربة على شباب لم يقرأ التاريخ عوضاً عن دراسته، وما سمعه في الدروس الوعظية قصص أشبه ما تكون أساطير لرجال خارقين، استطاعوا فعل الأفاعيل بقليل تجهيزات وإعدادات وكثير بركة، وحين الخسارة كانت الأسباب الوعظية المفسرة لتلك الهزائم ساذجة مرتبطة بترك المقاتلين أحد السنن، أو بارتكاب بعضهم معصية! في غياب تام لحقائق تاريخية قد تتسبب في تشويه بعض الشخصيات الأسطورية أو تنال من قدرها وصورتها النمطية. هذا بخلاف ضعف الحصيلة المعرفية في علوم إنسانية واجتماعية ما زال البعض يجادل في قيمتها!

ولتعديل البوصلة، يجب تصحيح السؤال المطروح ليكون: لماذا تحركت الجماهير العربية بأعداد غفيرة ضد مصلحتها في بعض البلدان العربية، وهل يمكن أن يعاد السيناريو في بلاد عربية أخرى؟

يغيب عن معرفة الكثيرين أن حركة الجماهير الغفيرة لها أصول، وتدرسها علوم، وبحث فيها العديد من المفكرين والفلاسفة، أشهرهم غوستاف لوبون، مؤلف سيكولوجية الجماهير، فمن يملك المعرفة بسيكولوجيا الجماهير يملك القوة للتأثير عليها بعد تحشيدها، وسكبها في قوالبه التي يريد تشكيلها، حتى لو كانت القوالب والاتجاهات ليست في مصلحتها، ذلك أن الجماهير هي ظاهرة اجتماعية متوافرة في كل المجتمعات الإنسانية، والعقل الجمعي الجماهيري هو عقل سطحي غبي يمكن توجيهه ببساطة لمن يملكون أدوات التأثير، وذلك من خلال الدعاية غير العقلانية، والتحريض، والصور الموحية، والشعارات البهيجة ذات الصياغة البسيطة والقاطعة التي تفرض نفسها فرضا دون مناقشة، والأوامر القادمة من فوق، بدلاً من الأفكار المنطقية الواقعية العقلانية، لذلك وصف لوبون القائد المحرك للجماهير بأنه منوم مغناطيسي.

وبهذه المعرفة للتحركات الجماهيرية، والثورات الإنسانية يمكننا أن نفهم ما حصل بعيداً عن التحليلات السطحية البسيطة، الدراويشية، العاطفية، أو التراشق والتلاوم واليأس والخنوع، والسلبية القاتلة، كل هذه التركيبة تولد العقل المحبط الذي يسعى لتدمير العالم، بدلاً من إعادة البناء، ومحاولة مسك زمام المبادرة من جديد.

وقد أتقن أوغست كونت حينما قال: "إن المعرفة قوة، إنها تعني أن نعرف فنتنبأ فنستطيع". وبهذا يكون السؤال الأهم من كل ما سبق: ألم يأن للذين آمنوا بقضاياهم العادلة أن يتجهوا لبناء المعرفة؛ تلك القوة التي تجلي الضباب، وتزيل الغيوم، وتقوي الثقة بالله جل في علاه من خلال التعرف إلى نواميسه الكونية وسننه التي لا تحابي أحداً؟ ألم يأن!


(البحرين)

المساهمون