إنجاز قطري في بيئةٍ مضطربة

إنجاز قطري في بيئةٍ مضطربة

16 فبراير 2019
+ الخط -
يمثّل فوز قطر بكأس آسيا مناسبةً لتحليل مآلات العلاقات الخليجية الخليجية، والعلاقات العربية العربية، منذ بدء أزمة حصار قطر في يونيو/ حزيران 2017، والتي يمكن اعتبارها "نكسة حقيقية" في العلاقات الخليجية البينية، وتعبيراً عن واحدةٍ من أسوأ حالات "التفكك العربي" منذ سنوات. وربما تكمن قيمة هذا الإنجاز الرياضي في أنه جاء في ظل بيئةٍ مضطربةٍ، خليجياً وعربياً وإقليمياً.
خليجياً، يتكرّس انقسام مجلس التعاون الخليجي منذ حصار قطر إلى فريقين؛ أحدهما محور الرياض/ أبوظبي، وتسير خلفه المنامة، على غير هدفٍ سوى التحريض ضد الدوحة، مع محاولة إحداث أجواء من البلبلة، تؤدي إلى حرمان قطر من استضافة كأس العالم 2022؛ إذ كشفت صحيفة الغارديان، في 10 فبراير/ شباط الجاري، تفاصيل "خطة علاقات عامة" بقيمة 5.5 ملايين جنيه إسترليني، مؤرخة في إبريل/ نيسان 2018، وموقعة من الناشط المقرّب من حزب المحافظين، السير لينتون كروسبي، بغرض تشويه سمعة قطر وربطها بالإرهاب في أذهان الجمهور، توطئةً لسحب تنظيم كأس العالم (المونديال) منها. وليس سلوك هذا المحور مفاجئاً مع إدراك البعد النفسي في العلاقات الخليجية البينية، وفي ظل حملة الكراهية التي يتولاها إعلام "رباعي الحصار" ضد قطر وشعبها ومنتخبها الوطني. ويوضح هذا الأمر أن الرياضة وأدوات الإعلام الجديد والقديم ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مرآةً عاكسة لصراعات النظم العربية ضد بعضها، ومتنفساً لـ"عقد نفسية"، من قبيل الحقد والكراهية وشيطنة الخصوم والكيد السياسي المفضوح.
وبدل أن تكون الرياضة للتقريب بين الشعوب الخليجية والعربية، بوصفها مساحة "غير
 رسمية"، يقلّ فيها مستوى الخلاف، باعتبارها تخاطب العقول والمشاعر، وتزكّي الأخلاق، تحوّل أزلام رباعي الحصار إلى تحريض الجماهير وشحنها، إلى درجة منع علم دولة قطر وجمهورها من الحضور في الملاعب التي تجري فيها البطولة، بل وإلقاء أحذية وزجاجات مياه فارغة في مباراة منتخبي قطر والإمارات.
أما الفريق الآخر في مجلس التعاون الخليجي، (مسقط والكويت والدوحة)، فقد جاء سلوك شعوبه مختلفاً إزاء فوز منتخب قطر، فقد برز الاحتفاء الشعبي بالإنجاز الذي أوجد حالةً من "التعاطف الشعبي العربي" مع الدوحة ونموذجها السياسي/ الإعلامي/ الاقتصادي، الذي صمد في وجه حصار ظالم، واستطاع أن يوظّف بمهارةٍ موارد قوته الناعمة، بهدف بلورة إرادة قوية في مواجهة تحدّياتٍ غير مسبوقة جاء بها الحصار.
وثمّة مشاعر شعبية عربية اليوم تستنكر سياسة ثنائي الرياض وأبوظبي في استخدام "الأدوات الإكراهية" ضد الشعوب العربية، (الحصار والتجويع، استخدام الأداة العسكرية أو التلويح المتكرّر بها، وشنّ الحملات الدبلوماسية والإعلامية والقرصنة الإلكترونية، لإظهار قدرة الثنائي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد و"حزمهما"، خصوصاً في حرب اليمن وحصار قطر).
ويبدو واضحاً في الملفين حدود فعل الأدوات الإكراهية في العلاقات الخليجية البيْنية، والعربية البينية، وتناقص جدواها بمرور الوقت. وربما يمكن التعميم بالقول إن استخدام الإكراه عربياً يؤدي إلى خسارة معنوية لمن يستخدمه، وليس للخصم الذي قد يكتشف إمكاناته/ قدراته/ هويته، في هذا الوضع الضاغط، تماماً مثلما فعلت قطر بعد الحصار. ويمكن رصد ثلاث نتائج في موضوع تأثير فوز قطر على العلاقات الخليجية البيْنية، وعلى العلاقات العربية البينية:
أولاها، ترسّخ البعد النفسي لدى المسؤولين في دول الحصار، والذي ربما يتمحور حول عقدة "ماذا يتبقى لنا إذا فازت قطر بكل شيء، من تنظيم المونديال إلى كأس آسيا". ولذا فإن استعادة التضامنين، الخليجي والعربي، بعيدة المنال على الأرجح، خصوصاً مع دخول العلاقات العربية البينية مستوياتٍ من العداء/ الصراع المكشوف والتنافس الضار؛ إذ صرح وزير خارجية مصر، سامح شكري، أخيرا، بأن الأزمة مع قطر مستمرّة، فالأوضاع لم تتغيّر منذ اتخاذ السعودية ومصر والإمارات والبحرين قراراً بمقاطعتها، فلا مصالحة معها قبل أن تغيّر سلوكها ومنهجها.
ثانيتها، يرجع اضطراب العلاقات العربية البيْنية جزئياً إلى اختلال أولويات القضايا في أجندة "الإطار العربي"؛ فقضايا "مكافحة الإرهاب" أو مواجهة "الخطر الإيراني" أو "إقصاء 
الإسلام السياسي" مصطنعة، إرضاء لسيد البيت الأبيض، وتعكس تحكّم العامل الأميركي/ الإسرائيلي في معظم الدول العربية، وجرّها إلى خياراتٍ عبثيةٍ من قبيل الاصطفاف العربي/ الإسرائيلي ضد إيران، على نحو ما تجلّى أخيراً في مؤتمر وارسو، الذي تزامن مع قمة سوتشي بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، في ما يبدو كأنه "صراع مؤتمراتٍ دولية" للتقرير في شؤون العرب وقضاياهم، من دون أدنى تأثيرٍ حقيقي لهم، في المسألة السورية وغيرها.
ثالثتها، أن إنجاز قطر الرياضي أدّى إلى تراجع حصارها معنوياً، لكن الأهم أنه لم يمنعها ابتداءً من مواصلة طريقها الصعب نحو صياغة "نموذجها" الخاص، وسط بيئةٍ خليجيةٍ وعربيةٍ وإقليميةٍ غير مواتيةٍ بالمرة.
وفي المقابل، أدت سياسات الثنائي السعودي/ الإماراتي، بالتعاون مع مصر، تجاه الثورات العربية، إلى إحداث حالةٍ من "الكراهية" في العلاقات الخليجية البينية، والعربية البينية، ستكون لها آثار كارثية على صورة هذا الثلاثي لدى الشعوب العربية والرأي العام العالمي.
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
أمجد أحمد جبريل

باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.

أمجد أحمد جبريل