إميلي نصر الله.. واصفة الحرب والهجرة

إميلي نصر الله.. واصفة الحرب والهجرة

17 يوليو 2017
(إميلي نصر الله)
+ الخط -
يقدم الأدب تصوّراً عن الحرب وتأملاً فيها لا يمكن للتحليل السياسي ولا السوسيولوجي ولا الثقافي أن يقدّمه بالطريقة نفسها. وصف الحرب وما تفعله في الإنسان والمكان والزمان هو دائرة أعمال الروائية اللبنانية إميلي نصر الله التي نالت وسام غوته كما أُعلن صباح اليوم - حيث يُقام حفل تقليد الوسام يوم 17 آب/أغسطس المقبل- وذلك عن مجمل أعمالها الأدبية في بيروت، تلك المدينة الجدلية التي رفضت الروائية أن تتركها خلال سنوات الحرب، رغم حرق وتدمير منزلها، ومنزل عائلتها الذي كان مليئا بالمخطوطات القيمة، على يد قوات الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. هذا الإصرار على البقاء في لبنان، رغم هجرة جميع أفراد عائلتها منح أعمالها نوعأً من شهادة بالعين والأذن والقلب والعقل على الحرب الأهلية اللبنانية.

إميلي المولودة عام 1930 في بلدة كفير، بدأت في مرحلة مبكرة في العمل بالكتابة والصحافة، حيث تخرّجت من "الجامعة الأميركية" متخصّصة في اللغة العربية وآدابها.

كتبت نصر الله روايتها الأولى "طيور أيلول" عام 1962، التي قدّم لها ميخائيل نعيمة. تقول في واحدة من المقابلات التلفزيونية معها إن الرواية جاءت كردّ فعل على الألم الذي سبّبته هجرة إخوتها إلى كندا وبقائها خلفهم في لبنان، فكانت العودة إلى الكتابة عن المكان الأول/القرية، تستكشف مصادر الألم والفرح فيها، حيث يصف نعيمة الرواية بأنها "معرض فني للقرية اللبنانية"، ويضيف "ممَّا يزيدُ في روعة الصور التي ترسمينها للقرية، مَقْدَرَتُكِ على التغلغُل في ذهنيَّة سُكَّانها وتَجَاوبِهِم، البطيء أَو السريع، مع التطوّرات الحديثة التي تزحف عليهم من المدينة زحفاً لا قِبَلَ لهم بصدِّه".

يبدو أن موضوع الهجرة من لبنان ظلّ مهيمناً على الكاتبة، فنجدها تعيد التفكير في مصير من يتركهم المهاجرون، فتتطرّق إلى مشاعر الحنين والألم والافتقاد والتقلّبات النفسية والعاطفية في عملها "الإقلاع عكس الزمن".

هذه الرواية تقابل فيها بين موضوعين صعبين للغاية، وهما الخيار بين التخلّي عن الوطن والهرب من الحرب والبدء في مكان آخر، وقرار البقاء في الوطن حتى تمتصّ الحرب الأرواح وتنضجها بشكل قاسٍ وعنيف.

لا شك أن موضوع الهجرة في الحرب ليس جديداً على الرواية، لكن نصر الله اختارت أن تتأمّل في هجرة المسنين الذين يستجيبون إلى الحنين للحياة والعيش مع أبنائهم المهاجرين فيهاجرون إليهم ليموتوا عاطفياً ونفسياً ثم فعلياً كما يحدث للشخصية الرئيسية في الرواية، مثل أي سمكة أُخرجت من بحرها.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يموت فيها بطل أو بطلة في عمل لنصر الله، فقد فعلت الأمر نفسها ببطلتها ريا التي تتزوّج شاباً ضعيفاً كنوع من التمرّد على الزواج المدبّر لها، وتعامله باشمئزاز إلى أن تتعرّض إلى الاغتصاب، فتجد أن الخلاص لروحها الممسوسة بالرفض لن يكون إلا بمغادرة الحياة.

يحيلنا مصير ريّا إلى شخصيات النساء في أعمالها واللواتي يكن غالباً سلبيات مازوشيات، عاجزات عن إتمام المواجهة إلى الأخير فيكون الهروب إما بالانتحار مثل ريا، أو الصمت مثل ليّا التي فضلت الصمت على الدفاع عن نفسها وعن عذريتها في "الجمر الغافي"، حيث من النادر أن نعثر على شخصية امرأة تنجو في الأخير من المنظومة الخانقة الكبرى.

أصدرت نصر الله خمس روايات وعشر مجموعات قصصية، وقصصاً للأطفال من بينها "يوميات هر" الذي تصف فيه الحرب الأهلية من وجهة نظر قط وهو عمل لقي نجاحاً وترجم إلى أكثر من لغة. كما كتبت نصر الله في السيرة سلسلة من ستة كتب بعنوان "نساء رائدات" تناولت فيها حياة نسويات من مختلف بلاد العالم، كمحاولة منها للاقتراب من التاريخ المشترك للمرأة في العالم وعبر العصور، إلى جانب أنها كتبت سيرتها الشخصية تحت عنوان "في البال".

عن الكتابة السردية تقول صاحبة "شجرة الدفلى" و"الرهينة"؛ "أحب أن أروي، أحببت ذلك من حضن جدتي الذي كان مدرستي في القص، ولا أدعي أن لدي لغة متفوّقة، لغتي بسيطة صحيحة ومتينة فقط".

المساهمون