إلى قاتلة بَريئَة

إلى قاتلة بَريئَة

11 اغسطس 2017
+ الخط -
أنا لا أُحِبُّ النَّاس ولا الدُّنيا، ولا الأشياء، حتَّى الجمادات أنا لا أُحِبُّها، وأنتِ كذلكَ يا حَبِيبَتي، أنا لا أُحبُّكِ، لم أَعدْ قادرًا على النَّظَرِ في عينَيكِ أكثر، كَيفَ لي ألَّا أموت حينما أتذكَّرُ، وأنا أغرقُ في عينيكِ، أنَّني سأَخسَرُهُما حينَ يبلُغ الأَمَلُ مُنتهاه؟ ‎الحُبُّ هُوَ عدوّنا المُتربّص الذي يفرَحُ كُلّما فُزنَا، فهوَ يعلَمُ أنَّنا لا نفوزُ إلَّا لكَي نَخسَرَ أكثَر.

وهو عاذِلُنا الذي ظنَّناهُ صَديقنا الأبدي. ‎كيف أُحبُّكِ، أو لماذا، وكَم أحِبُّكِ؟ ‎هَل كَانَ عليَّ الموت فيكِ لِأُدرِكَ أنَّني لَستُ شاعِرَكِ كما كُنْتُ أَظُن؟ ‎لم أَجِد بَعدُ النَّهاية، لكنَّني أَسرَجتُ حُلمِي للفَناء لِأُباغِتَ الحُزنَ المفاجِئ كالشّتاء المَوسميّ.

‎لم تَعُد غمَّازَتاكِ تَتِّسعان لي كما كانتا، لذا سَأبكي دونَ جدوَى، ويُفرِحُني أنَّني أبكيكِ دونَ جدوى، ‎لِأَمحو عن قلبي عناءَ الانتِظار. ‎أتَذكُرينَ كم انتظرتُكِ عند بابِ البيتِ كَيْ تَأتي، ووقفتُ هُناكَ مُتسمِّرًا كتعويذةٍ قديمَة عُلِّقَتْ لِتقي سُكَّان المنزلِ عينَ الحَسودِ وكيدَ النِّساء؟ أتَذكُرينَ نَزلَة العاطفة وَلفحَةَ الأَلَم التي اجتاحَت مفاصِلي عند انتظاركِ أربعَ ساعاتٍ أمامَ شرفةِ بيتكُم التي تُطلُّ على الوَجع؟ ‎هل تَذكُرينَ أيَّما شَيء يُؤكِّدُ أنَّني لَمْ أَكُن سَرابًا؟ ‎كُتُبي، قَصائِدِي، مِعطَفِي، جُموحِي، أسئلَتِي ‎وانكساراتي كَساقِ ياسمينَةٍ فَوقَ جيدِكِ المُتعرِّق بالنَّدَى؟



لا تَتَذكَّرينَ ذلك، أنا أعلمُ جيّدًا.. ‎وأَعلمُ أنَّ الذّاكرةَ فعلٌ إراديٌ وليسَ موهبةً إلهيَّة كما يَظُنُّ البعض. ‎كُلَّ شيء صارَ أكثرَ وضوحًا الآن، وجهُكِ أكثرُ احتقانًا بالسَّعادة من أي وقتٍ مضى، شعرُكِ أكثرُ حلكةً من الليالي التي هربنا فيها إلى طَيشِنا الجَسديّ السّماويِّ عِنْدَ النَّهر، حينما مارَسنا الخُلود.

‎كُلَّ شيء اختَلَفَ الآن، تغيَّر، حتَّى القناعاتُ التي لا تتزَحزَح ترنَّحَت كشَيخٍ مُصابٍ بالباركينسون، فَلم أجد الإلَهَ في عَينَيكِ حينما بحثتُ عن الحقيقة، ولَم أجنِ في موسمِ الحَصاد إلَّا عجافَ المَشاعِر وبؤسَ السِّنين، حتَّى الشَّجرُ، كُلّ الشّجرِ الذي زَرَعتُهُ بين ثديَيكِ لم يُثمِر، كُلّ الفراشاتِ التي استَعَرنا أجنِحَتَها لِنَبلُغَ الأَبديَّة احتَرَقَت مثلَ البدايَة، آهٍ لو كانَ باستطاعتنا أَن نَستَعيرَ الأَزلَ كَيْ نبدأَ من جديد، لَيتَنِي رَحَلتُ حينما قَبَّلتِنِي في المرَّةِ الأولَى لأَحتفِظ بِنَشوةِ البدايات.

‎حَبِيبَتي... لَقَد فاقَ وِزرُنا مَقدِرَةَ الجَمالِ على الصَّبر أَكثر، فَلَم يَعُد بِمقدورِ القصائدِ الحَزينَة ‎إصلاح ما أَفسدَهُ الفَرَحُ المُؤجَّل. لذا سَأَرحَلُ إلى أرضٍ لا يموتُ فيها الشُّعَراء. ‎أرض يكونُ فيها الشِّعرُ ربًا، لا يُعصَى لِكَي يَغفِر، ولا يَغفِر لكي يُعصَى، "‎فخذي القصيدة إن أردت فليس لي فيها سواكِ".

دلالات

EAE1D03D-3418-48DC-B660-FA8C11D3D117
باسل مغربي

كاتب وصحفي من فلسطين.

مدونات أخرى