إلى أين ينتهي سباق النفوذ بين شي وترامب؟

إلى أين ينتهي سباق النفوذ بين شي وترامب؟

25 مارس 2018
الهدف من هذه التحركات الانعزالية إرباك العالم(جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
ما يجري في العالم حالياً، ليس فقط نذر حرب تجارية ولكن أكبر من ذلك بكثير، فهو في الواقع سباق بين واشنطن وبكين على صياغة "نظام عالمي جديد"، وإن كانت أدوات هذا السباق تتمثل في الرسوم الاستثنائية على السلع والخدمات وأدوات المال الأخرى.

ويلاحظ أن الرئيس دونالد ترامب، الذي فاجأ العالم بفوزه بالانتخابات الرئاسية، ليس رئيساً عادياً بكل المقاييس، لا في أسلوب ترشحه للانتخابات الأميركية ولا في فوزه ولا في أسلوبه السياسي واستراتيجياته، فهو رئيس جاء لتنفيذ مخطط جديد وضعه اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.

والهدف المنشود من كل هذه التحركات الانعزالية، واضح وهو إرباك العالم وتخريب النظام العالمي الحالي، المبني على التعاون بين مجموعة من الدول الكبرى وبناء نظام عالمي جديد على أنقاض مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تكون الولايات المتحدة، أو بالأحرى اليمين المتطرف، هو مهندسه الوحيد.

وفي المقابل تصطدم هذه "الفلسفة اليمينية المتطرفة" في تأسيسها لـ "النظام العالمي الجديد"، مع صعود الصين كقوة اقتصادية وتجارية ضاربة، وكذا مع الكتلة الأوروبية التي أصبحت رقماً مستقلاً في قرارها السياسي والاقتصادي عن الولايات المتحدة، وذات ثقل اقتصادي يقدر بحوالى 17 ترليون دولار.

ولكن تبدو العقبة الرئيسية أمام ترامب والقوى اليمينية المتطرفة في أميركا ليست أوروبا الغربية بقدر ما هي الصين وزعيمها القوي شي جين بينغ، الذي يؤسس هو الآخر "نظاماً عالمياً جديداً" بمساعدة كل من روسيا ودول "بريكس" ليكون موازياً للنظام العالمي الحالي.
وكان ترامب يأمل بعد فوزه، أن يتحالف مع موسكو ضد الصين، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، وفتحت التحقيقات التي عكرت مسار مخططه.

وبالتالي، يمكن القول إن كلاً من ترامب وشي، يخططان لصياغة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل يضمن هيمنته الكاملة. فالرئيس شي يرى أن الصين ظلمت خلال تقسيمات النفوذ "الجيوسياسي" التي تلت الحرب العالمية، والرئيس ترامب يرى أن النظام العالمي متعدد الأطراف أضعف الهيمنة الأحادية الأميركية بعد سقوط الإمبراطورية السوفيتية.

وعلى الرغم من اختلاف الأدوات التي سيستخدمها كل واحد منهما في هذا السباق والتحالفات، فإن الهدف واحد، فالرئيس الصيني شي يعمل على بناء "نظام عالمي جديد مواز" يحل تدريجياً محل النظام العالمي القائم حالياً. فهو ينشئ بنوكاً شبيهة بالبنك الدولي وصندوق النقد، ويشكل تحالفات مع القوى الاقتصادية المؤثرة في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مثل مجموعة "بريكس"، كما يتوسع تجارياً في أسواق العالم عبر مبادرة "الحزام والطريق" التي يخطط لإنفاق 6 ترليونات دولار عليها خلال الفترة المقبلة وتمر بحوالى 36 دولة.

ويدعم الرئيس الصيني في تنفيذ هذا المخطط، قوة بلاده التجارية وشبكة نفوذها في الأسواق العالمية والاحتياطي المالي الضخم المتوفر لها، والمقدر بأكثر من 3 ترليونات دولار.
أما دونالد ترامب الذي أتى للحكم بفلسفة انعزالية وبمبدأ "أميركا أولاً"، فينطلق من قوة الدولار وأسواق المال والصناعة المصرفية التي تسيطر على حركة تمويل التجارة وتسوية الصفقات في أنحاء العالم.
ويلاحظ أن كلا الرئيسين غير راضيين عن النظام العالمي القديم ويريدان تغييره، فترامب يريد تغيير نظم التجارة العالمية واتفاقاتها وقوانينها وإلغاء التجارة مع الكتل الاقتصادية، حيث يعتقد أن الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلمت أميركا وتنازلت عن حقوق المواطن الأميركي أو أنها خدعت من قبل دول العالم، وبالتالي يرى ترامب ضرورة إعادة التفاوض مجدداً مع كل دولة بمفردها لتحقيق المصلحة التجارية لأميركا، كما يعلن الآن، أنه لن يتقيد بمواثيق منظمة التجارة العالمية.

وحسب فلسفة ترامب، فإنه يعتقد أنه سيتمكن من إعادة المجد لأميركا عبر تقوية مركزها المالي والتجاري وإحياء الصناعة وإنعاش إنتاج الطاقة، وإجبار الشركات الأميركية ورساميلها على الهجرة من الخارج إلى أميركا، للمشاركة في بناء هذا المجد. وذلك إضافة إلى حماية السوق الأميركي من تدفق البضائع الأجنبية عبر فرض الرسوم المرتفعة، ومعاقبة الدول صاحبة الميزان التجاري المرتفع أو تلك التي لدى أميركا عجز تجاري معها.

ويعد السوق الاستهلاكي الأميركي الأكبر في العالم والذي يقدر بحوالى 11 ترليون دولار سنوياً، أداة الابتزاز الرئيسية التي يستخدمها مع شركائه التجاريين وضد الصين وروسيا، وبالتالي فهو يستغل حجم السوق الأميركي الضخم لمعاقبة الدول والشركات التي لا تتجاوب مع فلسفته بالحرمان من تسويق منتجاتها فيه. ولكن رغم ذلك، فإن أميركا دولة غارقة في الديون، بلغت دونها 21 تريليون دولار، وتعتمد في تمويلاتها على الاستدانة عبر بيع السندات للدول الغنية، وتمثل الصين أكبر زبائنها.

من جانبها تعد الصين لاحتمال انتهاء شهر العسل بينها وبين وواشنطن منذ سنوات، خاصة وأن أعوام الأزمة المالية ساهمت كثيراً في تعزيز نفوذها التجاري والمالي. والصين قوة اقتصادية صاعدة يقدر حجم اقتصادها بقرابة 12 ترليون دولار، بينما يقدر حجم الاقتصاد الأميركي بحوالى 19 تريليون دولار، لكن لكل اقتصاد نقاط ضعفه وقوته في الحرب التجارية المتوقعة بين العملاقين، حيث إن الصين تعتمد على رخص بضائعها في الأسواق العالمية مقارنة بنظيرتها الأميركية.

ومن بين الاستعدادات للحرب التجارية، أنشأت بكين مجموعة من البنوك متعددة الأطراف شبيهة بصندوق النقد والبنك الدوليين من بينها بنك التنمية الجديد، ومقره شنغهاي برأس مال 100 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومقره بكين، برأس مال أولي قيمته 50 مليار دولار ومصرح به 100 مليار دولار.

كما أسست الصين كتلة "بريكس" التي تضم الدول الاقتصادية الكبرى بين الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. وتعمل بنشاط على تحرير سعر صرف اليوان وزيادة هامش الذبذبة مقابل الدولار، وربما تعويمه خلال الأعوام المقبلة، إذا اندلعت "الحرب التجارية"، كما افتتحت بورصة للنفط باليوان القابل للتحويل إلى ذهب.

المساهمون