إلحاد في العراق

إلحاد في العراق

27 ديسمبر 2015
لا يجد الشباب مساحة حرة للتعبير عن أنفسهم(فرانس برس)
+ الخط -
تتحكّم الأحزاب الدينيّة، والجماعات الإرهابية، والمليشيات المسلحة الطائفية اليوم بالعراق وشارعه، محدثة انقساماً ودماراً وإراقة دماء وتحوّلاً في الأفكار.

ومن ذلك التحوّل، نذكر ظاهرة الإلحاد التي بدأت تظهر على السطح بجلاء بين عدد كبير من الشباب الناقمين على ما أفرزته الأحزاب الدينيّة السنيّة والشيعيّة على حد سواء في البلد. هم راحوا يتجهون نحو نظريات تشارلز داروين وكارل ماركس، خصوصاً الجامعيّين والمثقفين.

في شارع المتنبي، يجول عصام ناجي (25 عاماً) ملقياً نظرة على الكتب. كلما اقترب من مجموعة من الكتب الدينيّة، ابتعد سريعاً عنها، وكلما وقع في يده كتاب يحمل عنواناً دينياً رماه بعيداً عنه. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحت أشمئزّ من الكتب الدينيّة التي تروّجها الأحزاب التي تحكم البلد. فهم يطبعونها برؤيتهم الحزبيّة الضيّقة للإسلام ويحاولون فرضها على المجتمع".

ويعترف ناجي بأنَّ "الشكّ بدأ حول ما تعلمناه في صغرنا وما سمعناه من علماء الدين عن العدل والمساواة وحقن الدماء، على مدى سنوات طويلة. فهؤلاء العلماء من الطائفتين هم أوّل من ولغ بدماء المسلمين إما بصمتهم عن قول الحق أو بمشاركتهم في فتاوى القتل والدم".

فتسجّل نقاشات حامية بين الشباب حول نظريات ماركس ولينين وداروين، فيما تشهد كتب الشيوعية ونظريات التطور الذاتي مبيعات أكبر من الكتب الدينيّة بكثير. وهو ما يؤكده الروائي العراقي ممدوح النوري قائلاً إنّ "الشباب لم تبقَ لديهم ثقة بأي عالم دين. فالمدارس والمعاهد والجامعات الإسلاميّة لم تخرّج لنا نماذج لعلماء دين حقيقيّين، ولم نعد قادرين على إقناع الشباب بأنّ هؤلاء العلماء بمختلف مذاهبهم وأحزابهم لا يمثّلون إلّا أنفسهم وآراءهم الشخصيّة".

الشيخ عثمان الدليمي مختصّ بالفقه الحنفي. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الأحزاب الدينيّة السنيّة والشيعيّة هي السبب في تشويه صورة الإسلام الوسطي الحقيقي. فصار كل حزب ديني يطبع كتبه الخاصة ويخصّص عدداً من العلماء التابعين له ويستفتي أحدهم بما لا يعرف. وهو ما أبعد الشباب كثيراً عن قراءة الكتب الدينيّة، بالإضافة إلى أنّ عدداً كبيراً من تلك الكتب حالياً، تتضمّن كثيراً من التشويه بما يتلاءم مع رؤية الأحزاب الدينيّة التي تتحكّم بالبلد لمفهوم الإسلام".

من جهته، يقول الشيخ عقيل الموسوي المختصّ بالفقه الجعفري إنّ "الأحزاب الدينيّة تمتلك قنوات فضائيّة وسلطة ونفوذاً ومليشيات لا يمتلكها علماء الدين المستقلون. بالتالي تستطيع تلك الأحزاب بما تحمله من صبغة دينيّة أن تنفث سمومها في المجتمع بشكل خطير جداً. فأتى توجّه عدد كبير من الشباب نحو الأحزاب الشيوعيّة والعلمانيّة والكتب والنظريات الإلحاديّة".

وعند سؤال الباحث الاجتماعي محمود صادق الحسيني عن رأيه، اكتفى بالقول: "العراق في حاجة إلى تغيير جذري للمؤسسات الدينيّة بمختلف مذاهبها وإلى حظر الأحزاب ذات المسمى الديني إلى الأبد".

أما الباحث النفسي عبد القهار الشيخلي فيرى أنّ "الشباب المراهقين تعرّضوا لصدمة هزّت كيانهم الداخلي نتيجة ما يشاهدونه ويسمعونه عن الأحزاب والحركات الدينيّة المختلفة ذات الطابع الإسلامي سواء المسلحة أو تلك السياسيّة والفكريّة. فكان بحثهم عما هو جديد". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ثلاثة عوامل رئيسيّة عصفت بأذهان الشباب وهي قلة الثقافة العامة والدينيّة خصوصاً، وضعف الوازع الديني، وعدم وجود مرجعيّة دينيّة صادقة لكل المذاهب يثق بها الشباب الباحثون عن الحقيقة". ويتحدّث الشيخلي عن "عامل آخر هو تأثر الشباب بالفكر والثقافة الغربية"، ملقياً اللوم على المؤسسات الدينيّة وعلماء الدين ومطالباً إياهم بـ "حوارات مفتوحة للتعرّف على أفكار الشباب وتوضيح حقيقة الأحزاب المتخفيّة بقناع الإسلام".

هرباً من الهاوية
تكثر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما "فيسبوك"، نقاشات حامية لشباب عراقيّين حول نظريّة التطوّر لدى تشارلز داروين، وحول نظريات كارل ماركس في الاقتصاد والسياسة. كذلك تنتشر سيرة حياة الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا الذي يُعدّ من أبرز أيقونات الثورة الكوبيّة. بذلك يحاول هؤلاء البحث عن أطر أخرى تحرّرهم ربما من الاصطفافات المذهبيّة التي تودي بالبلاد نحو الهاوية.

اقرأ أيضاً: مخاوف من تراجع الوجود المسيحي في العراق