إطارات عربة الصناعة المصرية

إطارات عربة الصناعة المصرية

01 يوليو 2020
المركزي أكد سيتم التعامل مع القروض الممنوحة في إطارها على أنها قروض مضمونة (Getty)
+ الخط -

أرسل البنك المركزي المصري، يوم الأحد الماضي، خطاباً إلى البنوك العاملة في مصر، يعلمها فيه بمبادرته الجديدة، التي يصدر بموجبها تعهد بقيمة سبعة مليارات جنيه (ما يعادل 432 مليون دولار)، على شرائح لصالح شركة ضمان مخاطر الائتمان، كمظلة لضمان أرصدة الضمانات الصادرة من الشركة لصالح البنوك لتغطية نسبة من المخاطر المصاحبة لتمويل الشركات الكبرى في مصر، لمساعدتها على تجاوز آثار أزمة وباء كوفيد-19، والجهود المبذولة لاحتوائه، على إيرادات تلك الشركات.

وفي حين تضع معايير المحاسبة الجديدة قيوداً إضافية على البنوك عند إقراضها للشركات، أكد البنك المركزي أنه وفقاً للمبادرة الجديدة، سيتم التعامل مع القروض الممنوحة في إطارها على أنها قروض مضمونة. وبناء عليه، فعند حساب نسبة معيار كفاية رأس المال للبنوك، سيتم تطبيق وزن مخاطر نسبي صفر% في ما يخص القروض المغطاة بالتعهد الصادر من البنك المركزي للشركة.

ومع الأخذ في الاعتبار أن نسبة القروض إلى الودائع في أغلب البنوك المصرية، وخاصة في ما يخص العملة المحلية، ما زالت عند مستويات متدنية جداً، ومع القيود التي وضعها البنك المركزي على استخدام المبادرة الجديدة، تعد خطوة المركزي جيدة، وتبعث الكثير من الأمل في دفع المشروعات الصناعية والزراعية، مع الإمكانات الإضافية التي خلقها القرار لتقديم المزيد من القروض لتمويل تلك المشروعات.

لكن المشكلة الأساسية التي وقفت في طريق مبادرات كثيرة مماثلة خلال السنوات الماضية، ويتوقع أن تقف في طريق المبادرة الجديدة، هي أن العربة لا تتحرك بإطارٍ واحد، وأن انطلاقها بالسرعة والكفاءة المرجوة لا يتحقق إلا بالاعتماد على إطاراتها الأربعة، وأن عملها غالباً ما يتوقف تماماً إذا فسد واحد من تلك الإطارات.

تبذل الحكومة المصرية في كثير من الأحيان جهوداً تشكر عليها، لكن الظروف المحيطة لا تسمح لها بوضع أكثر من إطار أو اثنين، ويتم إهمال ما تبقى، ثم ننتظر أن تتحرك العربة، ونندهش حين لا تتحرك.

أكمل البنك المركزي بمبادرته الأخيرة وضع الإطار الأول، والخاص بتوفير التمويل اللازم للمشروعات، لكن هناك إطارا أساسيا آخر، هو إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للعب دوره. فالقطاع الخاص المصري لديه الكفاءات اللازمة لتحقيق إنجازات حقيقية، وفي كثير من القطاعات أثبت نجاحات لم يتصورها العقل من قبل، فقط حين أتيحت له الفرصة وأفسح له المجال.

وفي حين يدعي البعض أن المجال مفتوح للقطاع الخاص، وأنه لا يوجد ما يمنعه من لعب دوره في الاقتصاد الوطني، يتجاهل هؤلاء حواجز كثيرة وضعت في طريق القطاع الخاص المصري، تأتي في مقدمتها المنافسة غير المتكافئة مع جهات يتوفر لها من الدعم والامتيازات ما لا يتوفر لغيرها، جهات لا حصر لإمكاناتها، ولا تدفع ضرائب، ولا ذكر لأصولها أو الالتزامات التي عليها في ميزانية الدولة، وتحصل على مساحات شاسعة من أراضي الدولة بالمجان، وتتوفر لها العمالة بدون كلفة، وتوكل إليها المشروعات الضخمة بالإسناد المباشر، ولا يوجد أي نوع من الرقابة الخارجية عليها، فكيف يمكن للقطاع الخاص منافستها؟

لا أحاول إلغاء الدور الذي تلعبه الحكومة في العملية الإنتاجية، فشركات القطاع العام لها تاريخ كبير، في مصر وخارجها، وكثير من الصناعات الكبرى بدأتها دول العالم برأس مال حكومي، قبل أن تبيع أجزاء منها أو تبيعها كلها، وهو أمر وارد ومحمود، لكن الظروف الحالية في السوق المصرية تشير إلى أن الكفاءة والخبرة والتكنولوجيا موجودة لدى القطاع الخاص أكثر من القطاع الحكومي، بكافة جهاته السيادية، وهو ما يدعونا لمنح القطاع الخاص الفرصة، وتذليل العقبات التي تقف في طريقه.

ومن الممكن أيضاً البدء بشراكة (وأقصد شراكة حقيقية واضحة، لا عمليات إسناد من الباطن كما يحدث الآن)، بين القطاعين العام والخاص في ما يعرف بمشروعات PPP، التي تسمح بتوفير عمليات شراء أكثر كفاءة للسلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج، وتضمن التركيز على رضا المستهلك وتقديم خدمات ما بعد البيع من صيانة وتدريب، كما توفر مصادر جديدة للاستثمار.

وبعد التطورات الأخيرة التي نتجت عن انتشار فيروس كورونا بعد ظهوره الأول في الصين، وما ترتب عليها من ظهور اتجاه جديد لتوطين الصناعات وتجنب الاستيراد من الخارج، وربما من الصين تحديداً، يبدو أن هناك فرصة تلوح في الأفق للصناعة المصرية، للبدء في دخول مجالات عديدة، تسمح لها كمرحلة مبدئية بإحلال الواردات، أي إنتاج ما نضطر لإنفاق العملة الصعبة في شرائه محلياً، قبل أن نتجه في مرحلة لاحقة إلى تصديره للخارج، مستفيدين من انخفاض كلفة العمالة، وتوفر المواد الخام، والموقع المتوسط بين الدول العربية والأفريقية، في وقتٍ توفر فيه تبعات انتشار الفيروس حماية طبيعية لأي صناعة مصرية وليدة.

أما إطار العربة الثالث فهو التطور التكنولوجي الذي تأخر كثيراً في السوق المصرية، ولا أعني به الصناعات التكنولوجية، وإنما يتوقف طموحي عند "رقمنة" المصالح الحكومية، والسماح بالكثير من الإجراءات من خلال الإنترنت، خاصة بعد الطفرة التي شهدناها في هذا المجال في الكثير من الدول، وتحديداً الدول الخليجية، خلال السنوات الأخيرة.

ثم يتبقى بعد ذلك الإطار الرابع والأخير، والخاص بتوفير البيئة التشريعية والقانونية اللازمة لتحفيز رجال الأعمال على العمل، دون الخوف من تعرض أموالهم للضياع، أو أصولهم للمصادرة، أو تعثر العمل في المشروعات وتوقفها لفترات طويلة عند نشوب خلاف تجاري مع شريك أو مُوَرّد أو أي جهة حكومية.

القوانين الواضحة، والإجراءات السريعة، والشفافية في التعامل ليست ترفاً يمكن تأجيله، وإنما هي أساسيات مطلوبة لأي بيئة عمل تستهدف النجاح. وفي ظل نظام قضائي عقيم، يجبر أصحاب القضايا على البحث عن أي حلول، تشمل في كثير من الأحيان التنازل عن بعض الحقوق، لتجنب الدخول في سراديب التقاضي طويلة الأجل وقليلة الحيلة، لا يمكن أن نتوقع أن يهتم أصحاب الأعمال بتطوير شركاتهم والدخول في مشروعات جديدة، وإحداث النهضة الصناعية، أو حتى الزراعية التي نرجوها.

العربة لن تتحرك إلا بالإطارات الأربعة.

المساهمون