إضراب الأسرى معركة سياسية جماعية

إضراب الأسرى معركة سياسية جماعية

26 مايو 2014

مسيرة في غزة تناصر الأسرى الإداريين (مايو 2014 Getty)

+ الخط -
قد يكون من الطبيعيّ، وبعد موجة الإضرابات الفردية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي فاقت التصورات، بمعارك نضالية، بادر إليها الشيخ خضر عدنان وهناء شلبي، وكانت الخاتمة معركة الأسير الفلسطيني ابن القدس، سامر العيساوي، والذي سطّر نحو مائة يوم من الإضرابات الجزئية والكاملة. بعد هذه الموجة من الإضرابات الفردية، قد يكون من المُتوقع أن تعم حالة الصمت هذه إزاء الإضراب الحالي للأسرى الإداريين الفلسطينيين، وخصوصاً بعد إضراب سامر العيساوي، وأصبح من المتوقع أن يستمر الإضراب أياماً وأشهراً عديدة، وأن يأخذ التضامن الشعبي مع قضية الإضراب بالتصاعد تدريجاً. فكما أذكر، في كل حالات الإضراب السابقة، بدأ التضامن مع الأسير المُضرب عن الطعام مع مرور الأيام العشرين، وحتى في الثلاثين، وفي قضية العيساوي، بدأ الشارع الفلسطيني بالحراك بعد اليوم السبعين تقريباً. ولكن، حقاً ما من مقارنة، ولا إمكانية للمقارنة حتّى، بين معركة فردية وإضراب فرديّ يخوضهما أسير لحقوقه، ليُسطّر أيام إضراب محتجّاً على اعتقاله، وإضراب جماعيّ استراتيجي تكتيكي سياسي.

المعركة الحالية للأسرى الإداريين، في هذه الأيام، مختلفة، لأن الإضراب جماعيّ استراتيجي سياسي، يتناول قضية عامّة فلسطينية، تخصّ كل مناضل في السجن، وخارجه أيضاً. ما يجعل من هذا الإضراب موقفاً، حيث يواصل، في هذه الأثناء، نحو ١٤٥ أسيراً فلسطينياً إضرابهم المفتوح عن الطعام، مُطالبين بوقف الاعتقال الإداري، وإغلاق الملف السريّ والإفراج الفوريّ.
وأرى المعركة الحالية للحركة الأسيرة الفلسطينية إحدى أهم المعارك السياسية، ليس للحركة الأسيرة فقط، بل للقضية والنضال الثوري الفلسطيني عموماً. فالضرر اللاحق بالثورة الفلسطينية عموماً، جراء سياسة الاعتقال الإداري، كان، ولا يزال، من أصعب المشكلات التي تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث طال المحامين والنشطاء والطلبة، والتجّار أحياناً، ووصل إلى كل من تعتقد إسرائيل في أجهزتها الأمنية أنه قد يشكّل خطراً عليها، أو على استقرار أمنها.

ومعلوم أن الاعتقال الإداري إجراء مرتبط بالوضع السياسي العام، وحركة الاحتجاج الفلسطينية، ويستند إلى قانون الطوارئ للانتداب البريطاني من العام ١٩٤٥، ويتجدّد لفترة محدّدة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد، يقبع فيها المُعتقل بلا أي تهمة، يستند القائد العسكريّ العام في قرار التجديد إلى ملف سرّي، لا يحق للمُتهم، أو لمحاميه، الاطّلاع عليه، وهذا ما يمنع قيام مرافعة فعّالة. وفي أثناء الإضراب الحالي للحركة الأسيرة، يقبع ما يقارب ٩٠ معتقلاً إدارياً في السجون الإسرائيلية، يقضون أيامهم بلا محاكمة، أو تُهم واضحة، ولا يطلع محامون على ملفاتهم.

يحق لإسرائيل، وحاكمها العسكريّ، اعتقال أي فلسطيني، بحسب الوضع العام للثورة الفلسطينية وحركة الشارع الفلسطيني، ففي الانتفاضة الأولى اعتقلت إسرائيل نحو ثمانية آلاف فلسطيني، إدارياً. واستمر هذا الإجراء، فأصدرت قوات الاحتلال بين الأعوام ٢٠٠٣ و٢٠١٣ نحو ١٩٦٤٧ أمر اعتقال إداري. وفي أبريل/ نيسان ٢٠١٤، بلغ عدد المُعتقلين الإداريين ١٨٩ معتقلاً، منهم تسعة نواب في المجلس التشريعي.. لتُعلن الحركة الأسيرة عن بداية المَعركة ضد هذا القانون، وضد الاعتقال التعسفيّ للفلسطيني بلا تُهمة، في إضراب مفتوح عن الطعام منذ شهر تقريباً.

يتميز هذا الاضراب، كما أشرت، بأنه معركة سياسية جماعية، لا تمسّ الأسرى فقط، ففي غالبية الاعتقالات الإدارية كانت التهمة تنص على الانتماء إلى تنظيم إرهابي، وكما هو معلوم، جميع الأحزاب الفلسطينية تُعد، بحسب القانون الإسرائيلي، ممنوعة. ما يعني أن الاعتقال الإداري يُمكن أن يطول كل ناشط سياسيّ. وهنا تكمن أهمية هذا الإضراب الجماعيّ، استراتيجياً، تكتيكياً وسياسياً. وهذا ما يميّز هذا الإضراب عن الإضرابات الفرديّة. وما عليه أن يكون السبب لالتفاف جماهيري شعبي حول هذا الإضراب، بحيث سيكون إسقاط الملف السريّ والاعتقال الإداري بمثابة إسقاط سلطة جهاز الأمن العام "الشاباك" والصلاحية، باعتقال أي فلسطيني متى تشاء، بحسب شعورها تجاه نشاطه السياسيّ، الجماهيري، وأحياناً الصحافيّ والأكاديمي.

لا تقلّ المناصرة الشعبية للحركة الأسيرة، في إضرابها الجماعيّ الحالي عن الطعام، أهمية عن الإضراب نفسه، فالحراك الشعبيّ لمناصرة الإضراب يُعد بمثابة فتح جبهة أخرى، تسند الحركة الأسيرة، وتزيد من فاعلية الإضراب السياسية، حيث سيُشكّل الضغط الشعبي على الاحتلال حالة من الالتحام في صفوف الشعب بين من هم داخل السجون، ومن هم خارجها. بينما، سيُصبح الإضراب والضغط على مؤسسة الاحتلال شاملاً، ليُصبح التعامل مع الإضراب كاحتجاج شعبيّ فلسطيني، بجبهات عدّة، ضد قوانين الاعتقال الإداري، ليس فقط ممن يعانون القانون داخل المُعتقلات، بل من الشعب الفلسطيني عامة، بأطيافه كافة.

تعود الأهمية الكبرى للمناصرة الشعبية للإضراب خارج السجون، لكونه يشكّل دعماً معنوياً سياسياً، فالمناصرة الشعبية ستُشكّل وقود الاستمرار المعنوي للأسير، ولتواصله مع الشارع الفلسطيني، على الرغم من الفصل الحديديّ، والمعنوي الذي قامت، وتقوم، به المؤسسة الاستعمارية، للتأثير على الأسرى، في محاولاتها المستمرة لعزل الحركة الأسيرة عن الشارع الفلسطيني خارج السجون.

أهمية هذا الإضراب، في حال نجاحه، تعني الإفراج الفوريّ عما يقارب ٩٠ أسيراً محكوماً إدارياً، بالإضافة إلى إسقاط قوانين الاعتقال الإداري، حيث قامت إسرائيل، بمؤسساتها الأمنية والعسكرية، بحجز آلاف الفلسطينيين في سجونها بهذه القوانين والملفات السرية. وهذا ما سيُجبر دولة الاحتلال على استنفاد الوسائل والطرق كلها لكسر الإضراب وإفشاله. لهذا، لا بد من التحرّك السريع للالتفاف حول هذا الإضراب، والانضمام إلى صفوف المعركة التي أعلنت الحركة الأسيرة انطلاقتها.

 

 

 

 

FE1388A0-FC37-41C4-BCC3-44237D38507E
رازي نابلسي

كاتب وناشط سياسي فلسطيني، مقيم في حيفا