إصلاحات صورية بأذربيجان: إقصاء الحرس القديم لضمان حكم علييف

إصلاحات صورية بأذربيجان: إقصاء الحرس القديم لضمان حكم علييف

16 فبراير 2020
علييف مدلياً بصوته بالانتخابات البرلمانية يوم الأحد الماضي(ريسول رحيموف/الأناضول)
+ الخط -

بعد نحو 17 عاماً على توليه السلطة في أذربيجان خلفاً لوالده حيدر علييف، واستكمالاً لحملة منظمة تهدف إلى تخلص الرئيس إلهام علييف من "الحرس القديم" تحت شعار دعم إصلاحات اقتصادية هيكلية، فاز الحزب الحاكم "أذربيجان الجديدة" بأغلبية مريحة في انتخابات برلمانية مبكرة شكّكت المعارضة وبعثات مراقبة دولية بنزاهتها.

وأعلنت لجنة الانتخابات فوز حزب "يني أذربيجان" (أذربيجان الجديدة) الحاكم بنحو 72 مقعداً من أصل 125 في البرلمان (مجلس الملة) وفق نتائج شبه نهائية للانتخابات التي نظمت قبل أسبوع، مقابل حصول المعارضة على مقعد يتيم. وفي حين قالت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إنّ "تجاوزات كبرى سجلت في فرز (الأصوات) واحتساب (النتائج)، ما يثير شكوكاً حول نزاهة النتائج"، انتقدت وزارة الخارجية الروسية الموقف "المتحيز المسبق" للبعثة، وهنّأت في بيان "الأصدقاء الأذربيجانيين بنجاح تنظيم الانتخابات التي تكشف الإصلاحات الهادفة إلى دمقرطة وتحديث الحياة السياسية والمجتمعية للبلاد".

وتعليقاً على النتائج الأولية، قال منسق البعثة الأوروبية أرتور غيراسيموف، إنه "لم تكن هناك إمكانية لدى الناخبين للاختيار بين عدد كبير من المرشحين، لأنّ البلاد تعاني من غياب الحوار السياسي الحقيقي... وقد سجلت حالات ممارسة ضغط على الناخبين، والمرشحين وممثليهم".

حملة التغيير بدأت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حين أقال علييف رئيس الوزراء نافروز ماميدوف ونائبيه، إضافة إلى مدير ديوان الرئاسة رامز ماهتيف الذي تقول المعارضة الأذربيجانية إنّه كان مشرفاً على وضع قوائم الناجحين في الانتخابات البرلمانية في المرات السابقة. وبعد أسابيع، أقال علييف مساعده للشؤون السياسية والاجتماعية علي غاسانوف الذي ينظر إليه كواحد من أهم صناع سياسة الدولة في أذربيجان، ومعلوم أنّ الرجلين (ماهتيف وغاسانوف) كانا ضمن الحلقة الأقرب لعلييف الأب منذ بداية حكمه في العام 1993 حتى انتقال السلطة إلى علييف الابن في 2003.

وبعد الحملة على أهم رمزين من رموز "الحرس القديم"، بدأت تظهر انتقادات لأداء البرلمان وحديث عن تعطيله حملة إصلاحات يقودها الرئيس علييف في بلد تتحكّم الحكومة بسياسة التحرير في معظم وسائل إعلامه، ما مهد لإعلان الرئيس في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة قبل تسعة أشهر من موعدها. ووافق حزب "أذربيجان الجديدة" الذي يقوده علييف على حلّ البرلمان على الرغم من أنه يسيطر على أكثر من نصف أعضاء المجلس ويستطيع تمرير القرارات اللازمة بسهولة، ما طرح أسئلة حول الهدف من الانتخابات، وسرعان ما اتضح مع الكشف عن قائمة مرشحي الحزب الجديدة. فمن أصل 123 مرشحاً ضمت القائمة 48 عضواً سابقاً فقط في البرلمان، ما يعني مواصلة التوجه نحو إبعاد السياسيين القدامى، وضخ مزيد من الشباب. فقد ضمّت القائمة 5 مرشحين أعمارهم أقل من 30 عاماً، و17 ما بين 30 و35 عاماً. وحسب الصحافة الأذربيجانية، فإنّ 40 في المائة من الفائزين عن الحزب الحاكم هم من الشباب الذين يدخلون معترك السياسة للمرة الأولى، لكن المعارضة أوضحت أنّ قسماً كبيراً من الجيل الشاب يرتبط بعلاقات قربى مع نواب سابقين أو "عشيرة علييف" الحاكمة للبلاد منذ عقود.

وحرمت دعوة علييف المفاجئة للانتخابات البرلمانية في غضون شهرين المعارضة من أي فرصة لترتيب صفوفها، وبدا واضحاً تخبطها عبر انقسامها بين خيار المشاركة أو المقاطعة، وعدم قدرتها على الدخول في تحالفات لدعم مرشّح واحد في كل دائرة انتخابية، ما تسبب في خروجها من دائرة التنافس. ووفقاً للنتائج المعلنة، فاز معارض واحد بمقعد، هو أركين غاديرلي المنتمي إلى حزب "البديل الجمهوري"، ووزعت بقية المقاعد على نواب أحزاب تعتبر موالية للرئيس.

ودانت بعثة مراقبة "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" في بيان غياب "خيار حقيقي"، ورأت أنّ "الحملة الانتخابية (كانت) غير ملحوظة". بدورها، اتهمت المعارضة حزب "أذربيجان الجديدة" الحاكم بتسخير موارد الدولة للحملة الانتخابية.

ويتولى علييف السلطة منذ انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، قبل شهرين من وفاة والده الذي حكم البلاد لعشر سنوات. وفاز علييف في الانتخابات التي جرت في 2008 و2013 و2018. وبعد استفتاءين منفصلين، تمّ إلغاء الحد الأقصى لفترات تولي الرئاسة والذي كان فترتين فقط، وزيادة فترة الرئاسة من خمس سنوات إلى سبع سنوات.

في السياق، قال رئيس حزب "مساواة"، عارف حاجي، إنّ التزوير كان "شاملاً"، مشيراً في تصريحات صحافية بعد الانتخابات، إلى أنّه "في كل مكان تقريباً - في العاصمة باكو والمناطق - كان هناك حشو للصناديق بقسائم اقتراع إضافية، وتصويت متكرر من قبل الأشخاص ذاتهم في مركز اقتراع واحد، وتدويرهم على المراكز المختلفة، وسجّلت محاولات لتغيير صناديق الاقتراع، واستخدام صناديق الاقتراع المعتمة في عدد من المراكز، والضغط على المراقبين". وأضاف أنّ "أحد أبرز الأدلة على التزوير، هو المبالغة المصطنعة في أعداد المصوتين؛ ففي حين أعلنت لجنة الانتخابات المركزية عن مشاركة أكثر من 47 في المائة من الناخبين، فإنه في الواقع لم تزد نسبة المشاركة طوال يوم التصويت عن 20 في المائة".

واتفق رئيس حزب "البديل الجمهوري"، إلغار محمدوف، مع تقديرات حاجي، بشأن وجود "انتهاكات خطيرة" و"المبالغة المصطنعة في نسبة المشاركة". من جهته، وفي تهكّم واضح على السلطات، قال زعيم حزب "الجبهة الشعبية الأذربيجانية"، علي كريملي: "تعهدوا بأنها ستكون انتخابات شفافة، لقد تبيّن أنه تزوير شفاف"، وتابع في تصريحات لموقع "قوقاز أوزل"، أنّ "كل شيء تمّ بشكل علني بلا خجل، بوقاحة... لم نشارك في الانتخابات، وأظهر النظام أنّ كل حديث عن الإصلاحات لم يكن أكثر من شعارات جوفاء". وخلص كريملي إلى أنه "بدلاً من تغيير حقيقي، يقوم علييف بما يشبه إصلاحاً سياسياً عبر إخراج القدامى في فريقه المكروهين من الناس منذ فترة طويلة".

ويجمع محللون على أنّ "علييف اختار تنظيم هذه الانتخابات قبل موعدها خوفاً من اتساع روح الاحتجاج". ورأى خبراء أنّ الهدف هو استبدال الحرس القديم للنظام واختيار جيل جديد، والردّ بذلك بالحدّ الأدنى، على الاستياء الناجم عن التباطؤ الاقتصادي. وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي، أنار ماملي، في تصريحات له، إنّ "التعديل الحكومي والانتخابات المبكرة هدفهما واحد هو إطالة حكم علييف".

وخلافاً لبلدان القوقاز وآسيا الوسطى، لم تشهد أذربيجان منذ العام 1993 اضطرابات كبيرة، وثورات ضدّ حكم علييف الأب والابن، لكن مخاطر الاحتجاجات في تصاعد في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من امتلاكها ثروات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، واكتفائها الغذائي بسبب زراعاتها المتنوعة، وثروتها السمكية، وجذبها أكثر من ثلاثة ملايين سائح في العام الماضي، إلا أنّ الأوضاع الاقتصادية في أذربيجان شهدت تراجعاً كبيراً منذ العام 2014 مع هبوط أسعار النفط، ما أدى إلى انهيار العملة الوطنية ووصولها إلى نصف قيمتها، وشهدت البلاد انكماشاً ونسبة تضخّم عالية، مع ارتفاع في نسبة البطالة، وخصوصاً في صفوف الشباب. وبدأت الأوضاع تتعافى أخيراً، لكن بنسب نمو متواضعة. ففي العام 2018، سجّل الاقتصاد نمواً بنحو 1.4 في المائة، وفي العام 2019 سجّل قرابة الـ2 في المائة. وتملك أذربيجان احتياطات نفطية مؤكدة تتجاوز 7 مليارات برميل، وأكثر من 1.5 ترليون متر مكعب من الغاز.


وفي مواجهة تراجع النمو، انتقد علييف الوتيرة التي تسير بها الإصلاحات الاقتصادية، وقال إنه يريد استبعاد مسؤولي الحكومة الذين وصلوا لسنّ التقاعد. وتعهّد نهاية العام الماضي بإجراء إصلاحات، وأشار إلى أنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي في أذربيجان في 2019 من المتوقع أن يرتفع بشكل طفيف عن اثنين في المائة مع تضرره من الانخفاض في إنتاج النفط. وذكر في خطاب متلفز أن احتياطيات العملة الأجنبية ستبلغ 50 مليار دولار في نهاية 2019، وامتدح تراجع الدين الخارجي إلى 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، متوقعاً أن ينخفض قليلاً إلى 16 في المائة في 2020. لكن علييف لم يطرح خطة واضحة لتنويع مصادر دخل البلاد التي يشكل النفط والغاز قرابة 90 في المائة من صادراتها.

ومع ميل معظم سكان أذربيجان إلى عدم اللجوء إلى خيار الثورة ضدّ النخب الحاكمة بعد مشكلات بداية التسعينيات التي تسببت في حرب أهلية، وفقدان نحو خمس مساحة البلاد، وتشريد نحو مليون أذري من إقليم ناغورني كارباغ وسبع مناطق محيطة به بعد الحرب مع أرمينيا، استطاع علييف الأب العودة بقوة إلى صدارة المشهد السياسي في أذربيجان في 1993، وبنى نظاماً استبدادياً نقله إلى ابنه الذي يسعى الآن إلى تحديث مشروع والده الاستبدادي عبر التخلّص من الشخصيات البيروقراطية السوفيتية القديمة تدريجياً، وإسناد المناصب في الدولة إلى جيل من الشباب الأكثر انفتاحاً ومهنية. 

ويساعد موقف الأطراف الخارجية علييف على تنفيذ مخططاته، فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى كسب ودّ أذربيجان للاعتماد عليها في تنويع مصادر النفط والغاز الطبيعي بعيداً عن روسيا. ومن المنتظر أن يبدأ في العام الحالي ضخّ نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز من أذربيجان إلى تركيا ولاحقاً إلى جنوب اليونان ضمن مشروع "الممر الجنوبي" والخط العابر للبحر الأدرياتيكي من حقول شاه دينيز، وتأمل أوروبا في توسع هذا الخط بعد زيادة الإنتاج في الحقول، وانضمام بلدان أخرى مثل تركمنستان إليه.

ولم تمنع العلاقات الجيدة مع "حلف شمال الأطلسي" والاتحاد الأوروبي وتركيا، أسرة علييف من السعي إلى توطيد العلاقات مع روسيا، على الرغم من الاتهامات لها بأنها تدعم جارتها اللدود أرمينيا. وفي السنوات الأخيرة ازدادت وتيرة اللقاءات الرسمية بين قادة البلدين. وفي نهاية العام الماضي، قلّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مهربان علييف، زوجة الرئيس علييف والنائب الأول له منذ 2017، وسام الصداقة، وهو أرفع وسام روسي يمنح للأجانب، وذلك تقديراً لمساهمتها في تنمية وتعزيز العلاقات بين البلدين.

وبنت أذربيجان علاقات وثيقة مع تركيا الشريك الاقتصادي الأول، فيما تزداد وتيرة علاقاتها مع إسرائيل. وبحسب تقارير صحافية، فقد اشترت أذربيجان أسلحة إسرائيلية بقيمة 6 مليارات دولار في السنوات الأخيرة، وأنشأت قواعد لطائرات من دون طيار يمكن أن تستخدمها إسرائيل في أي هجوم محتمل على إيران. 

ومن الواضح أنّ التنافس الجيوسياسي على موقع وثروات البلاد بين الأطراف العالمية، ساهم في عدم اشتعال الثورات في "أرض النار" التي تملك احتياطات ضخمة من الغاز والنفط، وربما يساعد في استمرار حكم "عشيرة علييف" الذي بدأ فعلياً في العام 1969 عند صعود رجل الاستخبارات حيدر علييف إلى قيادة الدولة السوفيتية السابقة حتى انهيار الاتحاد في العام 1991، ليعود بطلاً متوجاً في العام 1993، وينقل السلطة إلى ابنه إلهام الذي يسعى إلى تمكين "حيدر الثاني" من احتلال مكانه بحكم البلاد.