إسرائيل لديها الإجابة عن عنصرية الشرطة الأميركية

إسرائيل لديها الإجابة عن عنصرية الشرطة الأميركية في مقتل فلويد ورفاقه

02 يونيو 2020
في القدس المحتلة عام 2013 (إيليا يميفوفيتش/getty)
+ الخط -
يحاكي مشهد الشرطي الأميركي وهو يجثو بركبته على رقبة جورج فلويد، قبل أن يلفظ الأخير أنفاسه ويشعل شرارة احتجاجات غير مسبوقة منذ عقود في الولايات المتّحدة، عشرات المشاهد من الأراضي الفلسطينية، حيث يكرر جنود الاحتلال استخدام أسلوب "الركبة على الرقبة" هذا في عمليات الاعتقال والتحقيق العنيفة بحق الفلسطينيين. لا يصبح الأمر محض صدفة بالنظر إلى برامج التدريب المشتركة التي تعززت أكثر خلال السنوات الأخيرة بين الشرطة الأميركية وقوات الأمن الإسرائيلية، وتتزايد معها الدعوات لوقفها داخل الولايات المتّحدة، بحكم التاريخ الدموي الطويل لقوات الاحتلال الإسرائيلية، وعقيدتها المبنيّة على التمييز والعرقنة، والاستخدام المباشر للقوة، بما فيها المميتة، حينما يتعلّق الأمر بالفلسطيني.

جنود الاحتلال يعتقلون فلسطينيين بأسلوب "الركبة على الرقبة" (getty) 

ارتفاع حالات القتل على الهوية
سياسة القتل على الهويّة تلك لا تسري فقط على الفلسطينيين وراء الخطّ الأخضر، بل حتّى على الفلسطيني الذي يعيش تحت إدارة دولة الاحتلال. في ظرف 3 أسابيع، قتلت إسرائيل فلسطينيين من حملة "الهويّة الزرقاء": مصطفى يونس من قرية عارة في الداخل الفلسطيني، وهو مريض بالصرع، وإياد الحلاق من القدس، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني بطئًا في النمو. تلك السياسة العنصريّة تمتدّ لتطاول حتّى الملوّنين داخل إسرائيل، من المهاجرين واليهود الإثيوبيين. رغم ذلك، توظّف إسرائيل تجربتها الاحتلالية لتصدّر نفسها في سوق الأمن العالمي على أنها "رائدة في مكافحة الإرهاب". ولربّما ليس مصادفة أيضًا أن ارتفاع نسبة الضحايا الفلسطينيين على الحواجز وفي نقاط التماس في السنوات الأخيرة مع تطبيق سياسة "القتل لمجرّد الاشتباه"، رافقه ارتفاع في عدد القتلى على يد الشرطة من المواطنين الأميركيين غير البيض، كما يسجّل تقرير نشره موقع "بروغريسيف" الأميركي الإخباري في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.


في ولاية جورجيا مثلا، يشير التقرير ذاته إلى ارتفاع في حوادث إطلاق النار المميتة من قبل الشرطة بنحو 77 بالمائة بين عامي 2017 و2018. تلك الولاية تواصل تنفيذ برنامج "تبادل الشرطة" مع دولة إسرائيل من خلال جامعة جورجيا، حيث يقوم برنامج تبادل إنفاذ القانون الدولي بترتيب تدريبات لرجال وضباط الشرطة والمديرين التنفيذيين لشركات الأمن وضباط بالتنسيق مع حكومات الصين وكولومبيا ومصر والمجر وكازاخستان وأوزبكستان، ولكن التركيز الأصلي والأساسي للبرنامج هو إسرائيل.


ووفقا للموقع نفسه، فإنه وعلى مدار سبعة وعشرين عاما، تلقت إدارات الشرطة في جورجيا منحاً مالية من وزارة العدل الأميركية تدعم هذه التدريبات. وقام البرنامج منذ بدايته في عام 1992 بتدريب ما لا يقل عن 1700 مشارك، بما في ذلك ضباط من قسم شرطة مدينة أتلانتا التي تشهد حالياً احتجاجات كبيرة على مقتل جورج فلويد.

ويفصّل الموقع الأميركي أن ولايات أخرى كثيرة لديها برامج مماثلة، بما يشمل ولايات تينيسي وألاباما وأريزونا وأركنساس وكاليفورنيا وفلوريدا وإنديانا وكارولينا الشمالية وكانساس وكنتاكي ولويزيانا وميشيغان وميسيسيبي ونيفادا ونيو جيرسي ونيويورك وداكوتا الشمالية وأوهايو وأوكلاهوما وبنسلفانيا وكارولينا الجنوبية وتكساس وغيرها.

وبحسب المصدر نفسه، فإن هذه البرامج التدريبية لأقسام الشرطة تزيد العنصرية والعنف الممارسين في مراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد، وتؤدي لتفاقم هذه المشاكل بدل حلها.


هل تلقّى تشوفين تدريبات إسرائيلية؟

بنظرة فاحصة، تبدو الطريقة التي استخدم فيها الشرطي الأميركي القاتل ديريك تشوفين ركبته للسيطرة على فلويد، وهو طريح الإسفلت ومكبّل اليدين، غير مرتجلة إلى حدّ كبير، ولا حركة عفويّة جاءت كردّة فعل للسيطرة على المعتقل، لأن هذا الأخير لم يبدِ أية مقاومة، بحسب ما يظهر في مقطع الفيديو الذي نشرته "نيويورك تايمز" بالأمس واستعادت فيه ترتيب الأحداث زمنيًّا. على العكس من ذلك، بدا تشوفين مسترخيًا لحظة اتكائه على الضحية، واضعًا يديه في جيبيه، متأكدًا من أن فلويد لن يستطيع الحراك وهو في هذه الوضعية؛ كما لو أنه أراد تنفيذ فكرة في رأسه.



ليس ذلك وحده ما يدفع إلى الافتراض أن تشوفين انخرط هو أيضًا في برامج التدريب المشتركة مع الأمن الإسرائيلي؛ فشرطة مينيابوليس، التي عمل فيها لأكثر من 18 عامًا، كانت قد تلقّت تدريبات من ضباط إسرائيليين على تقنيات "الضبط والسيطرة وتكتيكات مكافحة الإرهاب"، على ذمّة موقع "مورنينغ ستار" الأميركي. ويضيف الموقع أن ما لا يقل عن 100 ضابط شرطة من ولاية مينيسوتا حضروا عام 2012 مؤتمرًا استضافته القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو، وهناك "تعلّموا الأساليب العنيفة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية وهي ترهب المناطق الفلسطينية المحتلة تحت غطاء العمليات الأمنية".

ويزيد الموقع على ذلك أن مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، استضاف في مينيابوليس ما يسمّى بـ"مؤتمر التدريب على مكافحة الإرهاب"، ونقل عن نائب القنصل الإسرائيلي، ساهار أرييلي، قوله إن الجلسة التي استغرقت نصف يوم "استضافت محترفين من الدرجة الأولى في الشرطة الإسرائيلية".
دعوات لإنهاء برامج التعاون مع إسرائيل

ويضغط النشطاء في جورجيا من أجل إنهاء برنامج تبادل الشرطة في أتلانتا مع إسرائيل. وتطالب سبعون منظمة وقادة محليون بإنهاء هذه التبادلات التي توصف بأنها "تفسد الشرطة".

ويشير النشطاء إلى سجل إسرائيل الواضح في انتهاكات حقوق الإنسان وعنف الدولة تجاه الفلسطينيين واليهود الملونين واللاجئين الأفارقة. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فقد حقق عام 2018 زيادة بنسبة 69 بالمائة عن العام السابق في عنف المستوطنين الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين، وزيادة في الوفيات والإصابات في غزة.

وفي أبريل/نيسان 2018، صوت مجلس مدينة دورهام بولاية كارولينا الشمالية بالإجماع لتمرير قانون يمنع مشاركة دورهام في تدريبات تبادل الشرطة العسكرية مع إسرائيل ودول أجنبية أخرى.

وتنص العريضة الأولية التي أنشأها ائتلاف من عشر منظمات في دورهام، والتي أدت لتبني القانون، على أن "جيش الدفاع الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية لديهم تاريخ طويل من العنف والتسبب بالضرر ضد الشعب الفلسطيني واليهود الملونين". وقال أحد أعضاء التحالف: "التدريب [مع إسرائيل] يجعل الأمر أسوأ من حيث التنميط العنصري واستخدام القوة في السيطرة على الحشود".

وبحسب موقع "بروغريسيف" الأميركي فإن هذا التطور في دورهام يسلط الضوء على ضرورة وجود حركة وطنية تسعى إلى إنهاء البرامج العسكرية وبرامج تدريب الشرطة التي تجرى بالشراكة مع إسرائيل.

عسكرة أكبر لتطبيق القانون

أما موقع "ذي أنترسيبت" فقد أكد في تقرير له نشر في 15 سبتمبر/أيلول 2017 أن الاتجاه لإجراء برامج تدريب مع إسرائيل جاء في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حين استغلت إسرائيل خبرتها التي امتدت لعقود كقوة احتلال لتصنف نفسها كرائدة عالمية في "مكافحة الإرهاب". 

وقال الموقع إن وكالات إنفاذ القانون الأميركية حاولت الاستفادة من خبرة إسرائيل من خلال المشاركة في برامج التبادل التي ترعاها مجموعة من الجماعات الموالية لإسرائيل، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي.

لكن "براعة" الشرطة في إسرائيل يشوبها أنها شرطة احتلال بحسب الموقع الأميركي، حيث نفذت إسرائيل خلال نصف قرن من الحكم العسكري في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة الكثير من الانتهاكات.

وتتلاءم التدريبات في إسرائيل أيضًا مع عسكرة أوسع لتطبيق القانون الأميركي؛ ففي عام 2017 أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإلغاء القيود التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما على برنامج عسكري يعرف باسم 1033، وسمح لإدارات الشرطة بإجراء عمليات شراء للمعدات العسكرية مثل المركبات المدرعة وقاذفات القنابل اليدوية.

أمر أوباما بالقيود في عام 2015 بعد غضب عام من نشر بعض هذه المعدات خلال الاحتجاجات ضد انتهاكات الشرطة في فيرجسون وميسوري وأماكن أخرى. وأعلن النائب العام وقتها جيف سيشنز عن الإجراءات الجديدة في خطاب ألقاه خلال حفل لـ"وسام الأخوة للشرطة"، وهو أكبر اتحاد للشرطة في البلاد، ووصف تلك المعدات بأنها "منقذة للحياة"، ورفض الانتقادات الموجهة إلى عسكرة الشرطة واصفاً إياها بأنها "مخاوف سطحية".