إسرائيل في تأبين سميح القاسم

إسرائيل في تأبين سميح القاسم

19 أكتوبر 2014

في تشييع الشاعر سميح القاسم في بلدته الرامة (أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تُرانا، نحمل السلم بالعرض، لو سألنا عن "العبرة" في دعوة نائب وشاعر إسرائيلييْن إلى تأبينٍ للراحل سميح القاسم، في الجليل الفلسطيني المحتل، فكانا من بين حشد فلسطيني عريض وطيّب، من أهل السياسة والفكر والثقافة ورجال الدين؟ تُرى، هل كانا، اتحاد كتاب فلسطين، في الأراضي المحتلة في 1948، ونظيره في رام الله، على حقٍّ في الامتناع عن المشاركة في هذه الفعالية، بسبب حضور ذينك الإسرائيليين، واللذيْن قد يجد منظمو المناسبة تقدميّتهما ودفاعهما عن حقوقٍ فلسطينيةٍ وجاهةً في دعوتهما، لا سيما وأنهما من أصدقاء المحتفى به في أربعين رحيله؟ كتب رئيس الاتحاد في رام الله، الشاعر مراد السوداني، في "فيسبوك" عن (الواقعة؟)، وذكر أن مؤسسة محمود درويش أقامت المناسبة، وهي التي دعت النائب في الكنيست، دوف حنين، والشاعر روني سوميك (نقل سميح القاسم له ديواناً إلى العربية من العبرية). ولكن، لم تؤشر متابعات الصحافة إلى هذا الأمر، والذي لا يكون تفصيلياً إذا تذكّرنا أن المؤسسة (هما اثنتان في كفر ياسيف ورام الله)، كانت قد دعت في حفل افتتاحها، في كفر ياسيف، في العام 2010 الإسرائيلييْن، الوزير السابق يوسي ساريد والكاتب عاموس عوز، ونطقا فيه كلاماً مستغرباً وخاطئاً ومرفوضاً.
نعرف خصوصية أهلنا في الداخل الفلسطيني، المرابطين على عروبتهم، فلا تجوز المزاودة على وطنيتهم، ونحترم كل المنظورات المتنوعة في خيارات قواهم وممثليهم وتشكيلاتهم السياسية والمدنية. ليس الإتيان، هنا، على حنين وسوميك، في هذا الباب، ولا يدخل في النقاشات والثرثرات بشأن التطبيع وعدم التطبيع. إنه عن الجوهري في صميم الثقافة الفلسطينية الوطنية، والذي لا يصادر على أهل السياسة اجتهاداتهم وطرائق الاشتباك السياسي الذي يخوضونه مع العدو الإسرائيلي. وصدوراً عن هذه الرؤية، غير العبقرية في أي حال، يحسن إشهار نقطة نظام على وجود سوميك وحنين في مناسبةٍ يُفترض أنها معنيةٌ بصيانة الوجدان الوطني الفلسطيني، طالما أن سميح القاسم شاعر وكاتب في الأساس، ونظن هذا الجانب هو الأبقى فيه، لا ما يصح أن نراها اخطاءً ومواقف سياسية ساذجة ومرتبكة، أقام عليها وتقلّب فيها. وإذ ينتسب النائب دوف حنين إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهو تكتل سياسي عربي فلسطيني، فذلك لا يصيّره في مطرحٍ يتصل بالأساسي والمكين في المشروع الوطني الثقافي الفلسطيني (ما أخباره؟). وإذ لدى الشاعر روني سميك (يهودي مواليد بغداد) كل هذا الشغف بأم كلثوم والمقامات العراقية، فإن القطيعة التامة مع الاحتلال الإسرائيلي هي الوجهة التي تميّز الصهيوني عن غيره من اليهود. وفي أدبيات الصهيونية، الكلاسيكية والجديدة، ما يبيح لليهودي الذي يعتنقها أن يكون كيفما شاء، في أي يمينٍ ويسار، في أي رجعيةٍ وتقدمية، على أن يمارس هذا كله، وغيره، وهو في (أرض إسرائيل)، أي في أرضنا.
كان أطيب، ليس لسميح القاسم ربما، بل للمعنى الثقافي الوطني الفلسطيني، أن لا يكونا في التأبين الحميم، الشاعر سوميك الذي حدث أن وزّعت السفارة الإسرائيلية في القاهرة مجموعة شعرية له مترجمة إلى العربية مجاناً، ولا النائب دوف حنين الذي لم تصل تقدميته بعد إلى الإقرار بحق كل لاجئ فلسطيني بالعودة إلى دياره وبتعويض إسرائيل له. وقد أصاب محمود درويش كثيراً لما كتب، مرة، في "لوموند" الفرنسية، إن شرف يهود العالم ملطخ بوحل الاحتلال الإسرائيلي، وبدم ضحاياه من الفلسطينيين، ما لم يعلنوا القطيعة مع هذا الاحتلال.
درويش الذي لم ير غضاضةً في محاورة كاتب فلسطيني كاتباً إسرائيلياً معتدلاً، "يجمعهما الحد الأدنى المشترك، القبول بالدولة والحق الفلسطيني"، افتريا عليه وأخطآ بشأنه، في افتتاح مؤسسةٍ باسمه، يوسي ساريد وعاموس عوز، لكنهما رأياه "خصماً ذا قامة فارعة". .. لا أعرف ماذا قالا، روني سوميك ودوف حنين في تأبين سميح القاسم.

 

 

358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".