إسرائيل تعوّل على التعاون مع أميركا والتفاهمات مع الروس
تشير كافة المؤشرات الأولية، إلى أن القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، سيحدث تغييرات في المنظومة الإقليمية وفي انتشار قوات الأطراف اللاعبة في سورية، مع ترجيح لتعزيز الدور التركي في شمال سورية من جهة، والوجود الإيراني في سورية من جهة أخرى.
لكن هذه التغييرات المحتملة لا تنعكس في ردود الفعل الإسرائيلية، لا سيما ما يتعلق بالمواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية فوق الأراضي السورية، تحت سمع وبصر روسيا. وخلافاً لدعوات القلق والتحذير التي أطلقها بعض الجنرالات السابقين، تبدو حكومة الاحتلال مطمئنة نوعاً ما، للواقع المتشكل بعد هذا الانسحاب. وقد سارع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، أمس الأحد، إلى وضع الأمور في نصابها (من وجهة نظر دولة الاحتلال على الأقل)، عندما أقر بأن القرار الأميركي حدث مهم، لكنه استدرك بأنه مع ذلك لا ينبغي المبالغة في تأثيرات القرار الأميركي. وفيما كان أيزنكوط يتحدث في مؤتمر عن المجتمع والجيش الإسرائيلي، كان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وفي نفس الساعة تقريباً، يقول في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، إن القرار الأميركي بسحب 2000 جندي من سورية لن يغير في سياسة إسرائيل، بل إنها ستواصل العمل ضد التواجد الإيراني، وقد توسع من نطاق عملياتها، مشدداً، في لهجة ساخرة وجهها لمن أبدوا القلق، إلى عمق التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وكان أيزنكوط أعلن، في السياق نفسه، أن القرار الأميركي يأتي والتعاون بين الولايات المتحدة وجيش الاحتلال في ذروته، مشيراً إلى "النشاط" الإسرائيلي في سورية وأجوائها خلال السنوات الماضية، ليس قبل أن يلفت إلى التفاهم أو ما سماه "الحوار الذي أفضى إلى بناء آلية لمنع الاحتكاك مع القوات الروسية" منذ وصول هذه القوات إلى سورية في العام 2015، وتمتع الطرف الإسرائيلي بحرية مطلقة في الحركة في الأجواء السورية بما يضمن مصالح دولة الاحتلال. وأضاف "شعرت على مدار هذه الفترة كلها أن هناك تفهماً لاحتياجات إسرائيل في حرية الحركة. وقد مكنتنا آلية التنسيق لمنع الاحتكاك مع الروس، عشية وصول الروس، من العمل من أجل مصالح دولة إسرائيل". وتتصل تصريحات أيزنكوط ونتنياهو عملياً بما كانت نشرته، الجمعة الماضي، صحيفة "يسرائيل هيوم"، ونسبته إلى مصادر سياسية وأمنية أردنية مطلعة عن تفاهمات بين محور إسرائيلي أميركي عربي، يشمل الأردن والسعودية، وبين روسيا، لضمان "كبح جماح"، وفق التعبير الذي استخدمته الصحيفة الإسرائيلية، كل من إيران و"حزب الله".
ولغاية اليوم لم يصدر أي نفي لا من إسرائيل ولا من الدول العربية التي ذكرها التقرير، عن صحة هذه التفاهمات، خصوصاً أن نتنياهو أقر بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أبلغه مسبقا عن قراره بإعلان سحب القوات الأميركية من سورية. وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو إلى درجة إشارة الصحف الإسرائيلية إلى وجود خط مباشر بين قلم تحرير الصحيفة وبين مكتب نتنياهو، قد أشارت في تقريرها الجمعة إلى "أنه جرت وراء الكواليس، قبل قرار إخراج المستشارين العسكريين الأميركيين، محادثات دبلوماسية بين محور إسرائيلي عربي أميركي مقابل روسيا". ونقلت عن مصدر أمني أردني رفيع المستوى أنه أقر بالتوصل إلى تفاهمات بين واشنطن وتل أبيب وعمان والرياض وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعمل الجيش الروسي بموجبها على كبح جماح "حزب الله" وإيران في سورية. وشملت التفاهمات، بحسب المصدر الأردني، أيضاً، مواصلة سماح روسيا لإسرائيل بحرية الحركة في الأجواء السورية ضد أهداف لإيران و"حزب الله"، وضد نقل أسلحة إلى الحزب كاسرة للتوازن. وأضاف المصدر الأردني للصحيفة الإسرائيلية أن "هذه التفاهمات بين ترامب وبوتين هي التي أدت للانسحاب الأميركي من سورية". وعكست تصريحات أيزنكوط التي تحدث فيها عن استمرار عمل إسرائيل ونشاطها في سورية حتى بعد حادثة إسقاط طائرة التجسس الروسية قبل أكثر من شهرين، حقيقة تعافي التنسيق بين روسيا وإسرائيل، كما أن مؤشرات أخرى تفيد باحتمالات توسيع نطاق هذا التنسيق ليشمل لبنان أيضاً.
وتبدو واضحة الحملة المكثفة التي يشنها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على لبنان كدولة وحكومة وتحميلهما مسؤولية نشاط "حزب الله" في الجنوب اللبناني، خصوصاً بعد أن أطلق الاحتلال، بعد التحركات السياسية والإعلامية ضد لبنان و"حزب الله"، عملياته الهندسية لكشف أنفاق الحزب، ومحاولته الأسبوع الماضي استصدار قرار من مجلس الأمن يدين "حزب الله"، ويحمل حكومة لبنان المسؤولية عما يحدث في الجنوب، وعن أي تصعيد أو عدوان عسكري محتمل في المستقبل. وإذا ربطنا هذه الحملة الإسرائيلية، بتصريحات إسرائيلية سابقة عن قلق إسرائيلي من الاهتمام الذي بدأت روسيا تبديه بشكل أكبر من المعهود، بما يحدث في لبنان، فإن ذلك سيقود إلى التساؤل عما لم يعلن عنه في التفاهمات الأخيرة بشأن النشاط الإسرائيلي في الأجواء السورية، وما إذا كانت هذه التفاهمات، رغم عدم إعلان ذلك، تشمل أيضاً لبنان وأجواءه. ولعله من المفيد في هذا السياق أيضاً الإشارة إلى الاتهامات الإسرائيلية، في الشهرين الماضيين، لإيران بأنها في ظل تعرض شاحنات نقل الأسلحة لـ"حزب الله" براً للغارات الإسرائيلية، بدأت بنقل أجزاء ومركبات الصواريخ والأسلحة المتطورة المعدة للحزب عبر الرحلات الجوية المدنية عبر مطار بيروت مباشرة. وهي اتهامات رافقتها في سبتمبر/أيلول الماضي، خلال خطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة، اتهامات إلى "حزب الله" وإيران ببناء ثلاثة مصانع لتطوير ترسانة الحزب الصاروخية. وعرض رئيس حكومة الاحتلال، خلال خطابه، صور ثلاثة مواقع في قلب العاصمة بيروت، قال إنها مصانع لتطوير ترسانة "حزب الله" الصاروخية.