أبرزت إسرائيل، أخيراً، وصول مقاتلتين من طراز "إف 35" من أصل 33 مقاتلة تم الاتفاق بين تل أبيب وواشنطن، في العام 2008، على بيعها وتمويلها من المعونات العسكرية الأميركية لإسرائيل، علماً أن ثمن المقاتلة الواحدة هو 100 مليون دولار. وقد قرر الكابينت الإسرائيلي الشهر الماضي طلب 17 مقاتلة إضافية من الجيل الجديد، ما يسمح لإسرائيل بضمان سربين من هذه المقاتلات، التي تعتبر الأكثر تطوراً، وقدرة على الوصول إلى الأهداف البعيدة، مع ضمان عدم اكتشافها من قبل أجهزة الإنذار والرادارات المختلفة. وتقرر إجراء مراسم رسمية لاستقبال المقاتلتين في قاعدة "نفاتيم" العسكرية، بحضور كل من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوط، إلى جانب وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر. واعتبر ليبرمان، قبل ساعات من وصول المقاتلتين، أن هذه المقاتلات ستضمن لإسرائيل تفوقاً جوياً في المنطقة لعدة عقود.
في غضون ذلك، أعلن الجنرال الإسرائيلي السابق، وزير البناء والإسكان، يوآف غالانط، في مراسم الاستقبال، التي نظمتها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية المصنعة للطائرات، أن "تزود سلاج الجو الإسرائيلي بهذا النوع من المقاتلات سيمكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ مهامه الجوية بدرجة نجاعة أكبر وبسرية أكبر، وأن هذه المقاتلات تتيح للجيش الإسرائيلي الانتقال إلى المرحلة المقبلة من القدرات التكنولوجية والمهنية لسلاح الجو". واعتبر أن "وصول هذه المقاتلات إلى إسرائيل يرسم خطاً واضحاً ومحدداً لمواصلة ضمان السيطرة الإسرائيلية في المجال الجوي في المنطقة". وينتظر أن تتسلم إسرائيل حتى سبتمبر/ أيلول المقبل 9 طائرات من هذا الطراز، سيتم تفعيلها تحت مسمى "الهائل" في سرب جوي سيطلق عليه "النسر الذهبي". واعتبر مسؤول برنامج التوازن العسكري في الشرق الأوسط في مركز أبحاث الأمن القومي، يفتاح شفير، أن مقاتلات "إف 35"، التي أطلقت إسرائيل عليها اسم "الهائل"، تملك قدرات كبيرة، ومن شأنها أن تسهل على سلاح الجو الإسرائيلي القيام بمهامه الحالية وتوسيع نطاق المهام المستقبلية، لكنه أشار، مع ذلك، إلى أن بدء تفعيل هذه المقاتلات يستلزم أولاً ملاءمتها لعقيدة القتال التي يتبناها سلاح الجو الإسرائيلي، وفي مقدمتها القدرة على العمل بشكل أفضل في المناطق المحمية بمنظومات صاروخية، والقدرة على بناء صورة استخباراتية خاصة به، مع وجوب الاكتفاء بعدد قليل من هذه المقاتلات حتى يتمكن السلاح من القيام بالمهام المطلوبة منه، من خلال الدمج أيضاً بين المقاتلات الجديدة والقديمة، وخصوصاً أن سلاح الجو الإسرائيلي يعتمد حالياً على مقاتلات من طراز "إف 16"، التي تخدم منذ 12 عاماً، ومقاتلات قديمة من طراز "إف 15" آن الوقت لتغييرها.
وبالرغم من مسلسل الاحتفاء الإسرائيلي بوصول المقاتلات المذكورة، إلا أن شفير يبيّن أنه لن يكون بمقدور سلاح الجو الإسرائيلي مباشرة العمل بهذه المقاتلات قبل العام 2019 بفعل الحاجة لتطوير هذه المقاتلات وملاءمتها لاحتياجات الجيش، وتدريب الطيارين على استخدامها (وكان بدأ تدريبهم العام الماضي). ويجمل شفير الخصائص الجديدة للمقاتلات من طراز "إف 35" وما تحمله من قدرات عالية بالأمور التالية: قدرتها على التهرب من أجهزة الرادار والإنذار المختلفة، لأنها تترك "بصمة ضعيفة"، وهو ما منحها صفة "الشبح"، مع تكنولوجيا تمكنها من متابعة ورصد أهداف جوية وبرية عدة في الوقت ذاته بدرجة وضوح عالية، مع القدرة على خوض معركة إلكترونية. وتسلح هذه المقاتلات بمجسات إضافية في مجال الضوء والأشعة تحت الحمراء، ما يغطي كامل محيط الطائرة بـ360 درجة، وعرض كافة المعلومات التي يتم جمعها من مجسات وأجهزة الطائرة، ومن المقاتلات الأخرى ومن القاعدة الأرضية، لقائد الطائرة بصورة واضحة تمنحه إدراكاً عالياً بالبيئة التي يتحرك فيها. ولدى الطيار خوذة خاصة تمتاز بالقدرة على بلورة كافة المعلومات والإحداثيات من دون أن يضطر إلى مراقبة الشاشات المعلوماتية المثبتة أمامه. كما يوجد في المقاتلة جهاز مراقبة واستشعار لفحص جاهزيتها وخلوها من أنواع العطب والخلل، مع اكتشاف حالات العطب والخلل قبل أن تؤثر على عملها، وإصدار توجيهات بشأنها وضرورة إصلاحها، إلى درجة طلب قطع الغيار اللازمة بشكل تلقائي ومحوسب.
وإلى جانب هذه المميزات، يشير شفير إلى حقيقة أن هذا النوع من المقاتلات كان محط خلاف وجدل شديد في الولايات المتحدة نفسها، وفي جزء من الدول التي شاركت في هذا المشروع منذ بدايته، وتتعلق بمواقع خلل ظهرت خلال عملية الإنتاج والتصنيع وأخرى عند إجراء التجارب عليها. ومع أن شفير يشير إلى أن الصناعات الأميركية وافقت في نهاية المطاف على المطالب الإسرائيلية المتعلقة بإدخال تحسينات إسرائيلية، بالإضافة إلى أن الخوذة المستخدمة لطياري هذه الطائرات من صنع إسرائيلي، إلا أنه يلفت إلى أن تل أبيب ستكون مضطرة لمواجهة مسألة صيانة هذه المقاتلات وبناء مراكز خاصة لهذه الغاية في إسرائيل، بعد أن اشترطت عدم جواز إخراج هذه المقاتلات من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، أو إلى مراكز الصيانة الإقليمية، إذ ستتم عمليات صيانة هيكل الطائرة في إيطاليا، والمحركات في تركيا، بما يشي باعتزام إسرائيل إضافة تقنيات وتكنولوجيا عليها، خصوصاً في مجال الاتصالات والمراقبة والرصد. ومع أن إسرائيل لم تكن من الدول المشاركة في المشروع، إلا أنها حظيت مع ذلك بامتياز قيام الصناعات الإسرائيلية في اللد بصنع الأجنحة، إذ تم طلب صنع 800 زوج من هذه الأجنحة، بما يضمن لتل أبيب دخلاً بمليارات الدولارات. ويتطرق شفير إلى الجدل الذي دار في إسرائيل منذ طلب الحكومة في العام 2008 التزود بـ33 مقاتلة من هذا النوع. ويقول إن هذا الجدل كان عقيماً من أساسه، أولاً لأن سلاح الجو الإسرائيلي بحاجة إلى تجديد مقاتلاته، وثانياً لأن هذه الصفقة ممولة من المعونات الأميركية العسكرية، وبالتالي لم يكن بمقدور إسرائيل البحث عن خيار آخر، كالتزود بمقاتلات من صنع أوروبي أو صيني، أو حتى روسي.