اليوم، وبعد سبعين عاماً على وجود جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كجماعة مرخصة، تغلغلت في النسيج الاجتماعي للمجتمع الأردني، وشكلت عبر سنوات طويلة حائط إسناد للنظام في مواجهة القوى القومية واليسارية، واستقبل قادتها في القصور ضيوفاً أعزاء وحلفاء مشاركين في صناعة التوجهات السياسية للدولة، تجلس في انتظار مصير مجهول، بعد أن اكتشف فجأة أن ترخيصها على الورق ينطوي على مخالفة قانونية.
من دون سابق تنسيق، حتى لا نقع ضحايا نظرية المؤامرة، اكتشفت قادة تاريخيون في الجماعة أن جماعتهم لا تتعدى أن تكون فرعاً للمركز، كاشفين عن أن ترخيصها الصادر قبل سبعين عاماً ينص على أنها فرع للجماعة المصرية، وهو الاكتشاف الذي أولته الحكومة الأردنية جلّ اهتمامها، وقد تكون فوجئت بالاكتشاف الذي جاء متزامناً مع ضغوط خارجية تمارس عليها لحظر الجماعة أو حلها، وسط تمنع رسمي إعلامي. مفاجأة ترخيص الفرع على الأصل، الذي ضاعت ورقته في أرشيف الأوراق الرسمية، والذي يسعى قيادات في الجماعة إلى تصويبه من خلال استصدار ترخيص جديد، يشرعن الجماعة ضمن القوانين الأردنية بما يكفل إقصاء القيادات الحالية التي تقاسمها الدولة العداء وتقاسم هي بدورها العداء للدولة، تحول الجماعة من فكرة كما يؤكد قادتها الشرعيون إلى شركة كما يفكر قادة "إعادة الترخيص" والمسنودون من جهات رسمية.
يهمس الرسميون ويصرح الساعون لإعادة الترخيص، بأن الجماعة الأردنية (الفرع) في حكم المحظورة، بعدما حظرت الدولة المصرية الجماعة الأصل، متناسين عمداً أن الجماعة الأردنية عاشت عشرات السنين متمتعة بالاعتراف الرسمي في تحالف بدا أنه مصيري، في وقت كانت فيه الجماعة المصرية محظورة.
عندما يصبح تعامل الدولة الأردنية مع جماعة الإخوان المسلمين مقارباً لتعامل سجلها التجاري مع "شركة بيبسي كولا"، الذي يوجب إغلاق فروع الشركة حال إغلاق الشركة الأم، فإن المساءلة تتجاوز عدم شرعية الجماعة لتمتد إلى مسؤولية الدولة. فالدولة صاحبة الولاية في تصويب أوضاع الجماعات القائمة أو شطبها في حال عدم الاستجابة لتصويب أوضاعها حسب القوانين، مسؤولة بشكل مباشر عن صمتها الطويل عن الجماعة، وتزيد المسؤولية لتحاسب الدولة عن علاقتها مع "جماعة غير شرعية" كما تريد أن تقول لنا، فمن المسؤول؟