تؤكد مصادر عسكرية عراقية في قيادة العمليات المشتركة، أن القوات الأميركية اتخذت إجراءاتٍ دفاعية جديدة داخل القواعد والمعسكرات التي تتواجد فيها شمال وغرب ووسط البلاد، وتعتبر الثالثة من نوعها منذ اغتيال الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد غربي العاصمة العراقية مطلع يناير/كانون الثاني الماضي. وبحسب هذه المصادر، فقد جرت بعض هذه التحركات الدفاعية، بموافقةٍ غير معلنة من قبل حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها عادل عبد المهدي، وتحت تصنيف الإجراءات الدفاعية.
وتشهد المصالح الأميركية في العراق منذ فترة هجماتٍ بصواريخ "الكاتيوشا"، تُنفذ من حينٍ لآخر، وتقول واشنطن إن جماعات مرتبطة بإيران تقف وراءها. وطاولت هذه الهجمات السفارة الأميركية في بغداد، وقاعدتي عين الأسد (محافظة الأنبار) وبلد (صلاح الدين)، والقصور الرئاسية في الموصل (تضم مستشارين أميركيين)، ومعسكر التاجي والمطار، وقاعدة "كي وان" في كركوك (حيث قتل مقاول أميركي نهاية العام الماضي)، وكان آخرها مساء الأحد الماضي، حين استهدفت سفارة واشنطن بصاروخي "كاتيوشا"، سقط أحدهما قرب السور الخارجي.
وكشف مسؤولون في وزارة الدفاع العراقية، عن إجراءات جديدة اتخذتها القوات الأميركية في مناطق تواجدها داخل هذه المعسكرات والقواعد، مؤكدين أنها "جعلت فعلياً في كلّ منها قواعد منفصلة تقع داخل القواعد الأكبر"، في إشارة إلى مدى تعزيز عزل القوات الأميركية مناطق تواجدها داخل القواعد العسكرية العراقية التي تستضيفها.
وبحسب مسؤولٍ عسكري عراقي، وهو جنرال برتبة عميد في الجيش العراقي، وزار أخيراً قاعدة عين الأسد بالأنبار، فإن القوات الأميركية في المعسكرات العراقية "ألغت التعاون مع شركات محلية ومزودي خدمات كانوا يضطلعون ببعض عمليات التأهيل والتجهيز الخدماتية لمعسكراتها، كما رفعت مناطيد مراقبةٍ جديدة، وحدّدت وصول القيادات العسكرية إلى داخل مناطق تواجدها". ولفت المصدر إلى أن منظومة الدفاع الجوي الصاروخي "باتريوت" على وشك الوصول للعراق، وتحديداً إلى عين الأسد، إذ إن أعمالاً تجري داخل هذه القاعدة تشير إلى ارتباطها بنصب المنظومة، كما أن الأميركيين أعادوا تأهيل ملاجئ داخل القاعدة، بشكل لا يوحي بأنهم يفكرون أو يخططون للانسحاب.
من جهته، أكد مصدر عسكري آخر أن الطيران الأميركي المُسيّر عاد مجدداً للتحليق في محيط القواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها قوات أميركية، وأيضاً في أجواء السفارة الأميركية في بغداد، لكن على ارتفاعات يصعب رصدها بالعين المجردة. وفي هذا السياق، رجّح المصدر الإعلان، خلال الفترة المقبلة، رسمياً عن خطوات جديدة مثل إلغاء تواجد القوات الأميركية في معسكرات التاجي ببغداد وبلد في محافظة صلاح الدين، ليقتصر وجودها الرئيسي على قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في أربيل ومطار بغداد والقصور الرئاسية في الموصل وقاعدة الحبانية، شرقي الرمادي.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي قد أصدر بياناً بعد مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية في بغداد، أكد فيه منع أيّ قوة أجنبية من العمل أو الحركة على الأراضي العراقية من دون إذن واتفاق وسيطرة من الحكومة العراقية. كما أشار يومها إلى أن الدولة تريد إنهاء كافة المظاهر الشاذة وغير القانونية والسيادية. وقال عبد المهدي "تمنع أي دولة من الإقليم أو خارجه من الوجود على الأرض العراقية وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر، سواء كان دولة مجاورة أخرى، أو أي وجود أجنبي داخل العراق أو خارجه، من دون اتفاق مع الحكومة العراقية. كذلك يمنع عمل أي قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة العراقية أو خارج إمرة وإشراف القائد العام للقوات المسلحة". وأضاف "تمنع أي قوة مسلحة تعمل في إطار القوات المسلحة العراقية، وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، من أن تكون لها حركة أو عمليات أو مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة العراقية، وتحت إشراف القائد العام للقوات المسلحة".
وفي الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، أي بعد يومين من مقتل سليماني والمهندس، صوّت البرلمان العراقي لصالح قرار طالب بموجبه الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، خلال جلسة قاطعها النواب الأكراد ومعظم النواب السنة.
وأكد زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، أخيراً، استعداده للوقوف بوجه "المحتل" كما سمّاه، من أجل إخراجه من العراق. وقال في حديثٍ متلفز: "نستطيع إخراج الأميركيين بطرقنا ومواجهتهم لإنهاء تواجد قواتهم في العراق، ومستعدون للمواجهة والموت"، مستنكراً اتصالاً هاتفياً جرى بين محمد توفيق علاوي، الذي أخفق بتشكيل الحكومة وأعلن الأحد الماضي اعتذاره عن إكمال هذه المهمة، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وأكد لـ"العربي الجديد" مصدرٌ مسؤول يعمل في المنطقة الخضراء، وهي المجمع الحكومي في بغداد، الذي يضم مبنى البرلمان والأمانة العامة لمجلس الوزراء، أن "واشنطن أبلغت الحكومة إجراء قواتها في العراق تغييرات بالمواقع والملاجئ، وحتى المعسكرات، كما طرأ بعض التغيير من جانب المهمات الخاصة بالقوات والتواجد الأمني، لا سيما بعد التصعيد من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تجاه التواجد الأميركي". ولفت المصدر إلى أن "القوات الأميركية تعمل على حماية نفسها بصواريخ باتريوت التي ستصل قريباً". كذلك، أشار المصدر إلى أن واشنطن استثنت ذكر بعض التفاصيل العسكرية، حين أبلغت بغداد بشأن التطورات على صعيد العمل الميداني وانتشار قواتها، تحسباً من تسربها إلى الفصائل الموالية لإيران".
وأشار المصدر إلى أن تواصل القوات الأميركية في العراق محصور حالياً بشكل شبه كامل مع قوات جهاز مكافحة الإرهاب، الذراع الأمنية التي أشرفت الولايات المتحدة على بنائها خلال فترة احتلال العراق، وهي تشرف أيضاً على تسليحه وتجهيزه وتدريبه، علماً أنه الأبعد من بين الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية، عن المعسكر القريب من إيران.
ورأى السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقيم في واشنطن، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "فصائل مسلحة موالية لإيران تهدد تواجد القوات الأميركية، وبما أن الحكومة العراقية والمسؤولين في البلاد يلتزمون الصمت خشية من الفصائل المسلحة، فالقوات الأميركية مضطرة لحماية نفسها، باتفاق مسبق مع الحكومة". واتهم قنبر الصدر بأنه "طامح لأن يحل مكان قاسم سليماني، من خلال لعب دور في هذا الإطار".
أما لناحية أجندة أي حكومة مقبلة في العراق، وما إذا كانت ستتضمن مسألة الانسحاب الأميركي، فرأى العضو في ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، سعد المطلبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن أي حكومة مقبلة ستكون ملتزمة بشروط كتل سياسية في ما يتعلق بالوجود الأميركي في البلاد، وأبرزها كتلتا "سائرون" و"الفتح". لكن بحسب رأيه، فإن هذه الحكومة ستكون من أولولياتها تهيئة ظروف الانتخابات المبكرة، أما ملف إخراج القوات الأميركية فهو بحاجةٍ إلى اتفاق سياسي ووطني شامل، لا سيما أن الكيانات السنية والكردية ترفض بحثه، على حدّ قوله.
وفي هذا السياق، يرى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان، أن "الحكومة المقبلة لن تتمكن من تمرير أي مشروع باستثناء الموازنة، حتى أنها ربما لن تتمكن من العمل على تهيئة الأجواء العامة لعملية الانتخابات المبكرة، لا سيما مع وجود تعقيدات وتحديات كبيرة". أما في ما يخص القوات الأميركية، فـ"لا يزال الأكراد والسنة رافضين لإخراجها، حتى أن الأحزاب الشيعية لا يعنيها الأمر بقدر ما يهمها إرضاء إيران بهذا الخصوص، وهذه المجاملة تأتي على حساب أمن المحافظات الغربية وإقليم كردستان".
وشدّد باجلان في حديث لـ"العربي الجديد"، على موقف حزبه في هذا الخصوص، قائلاً "نحن غير مستعدين للمخاطرة بمحافظات العراق مرة جديدة، ولسنا ملزمين أن نجامل أحداً على حساب أمن مدننا، خصوصاً أن خطر خلايا تنظيم داعش لا يزال جاثماً، وأن تحرير العراق منه لم يكن ليتم دون الغطاء الجوي للتحالف الدولي".