إثارة نعرات جهوية في تونس

18 نوفمبر 2014
+ الخط -

إثر الإعلان عن نتائج الاستحقاق الانتخابي الذي شهدته تونس يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، والتي كانت صادمة لملاحظين وسياسيين عديدين، في انتظار صدمات أخرى في القريبين، العاجل والآجل، بدأ ساسة زمن ما بعد الثورة في تقسيم البلاد التي لا تتجاوز مساحتها مساحة ولاية من ولايات القارة الأميركية الشمالية إلى جنوب وشمال. أما بقية الجهات، كالوسط والشمال الغربيين، فقد تم تجاهلهما، وهو تجاهل لا غرابة فيه، فهذه المناطق لا وجود لها أصلاً في القاموس السياسي زمن الاستقلال، وتم اختزال مواطنيها، الأحياء والأموات، في مصطلحي "جبال مقعد وخمير" و"السباسب العليا والسفلى"، اللذين يُدَرّسان في مادة الجغرافيا.

كان للجنوب التونسي النصيب الأكبر من هذه الحملة، حيث اتّـُهم بموالاته اليمين وكشف بعض الساسة عن وجه آخر لم يغب عنهم في الحقيقة إلا خلال الحملة الانتخابية للاستحقاق البرلماني. وانخرطوا في خطاب سياسي تحريضي ضد ساكني الجنوب التونسي. سار هؤلاء الساسة على درب رؤسائهم الذين قال أحدهم صراحة إن ثلثي البلاد حاضنة للإرهاب ومأوى للإرهابيين. ومع ذلك، ومن مفارقات هذه الثورة العجيبة، أن يفوز هؤلاء الساسة في تلك المناطق.

وفي مقابل هذا الخطاب المسموم الموجّه ضد الجهات الداخلية عموماً، برز خطاب آخر يصور الجهات الساحلية، حاضنةً للتيار الدستوري دون غيره من التيارات. هذا الخطاب موغل في نزعة جهويةٍ، خلنا أنها تلاشت، لكن نتائج الانتخابات التشريعية أظهرت عكس ذلك، عندما تحول مسقط الرأس الذي لا وجود له لدى أغلب المترشحين إلا في بطاقة الهوية إلى نقطة انطلاق وجسر عبور كرسيي البرلمان والرئاسة.

هذا الحنين إلى الأوطان وهذا الرثاء للبلدان يعكسان نمط تفكير مازال سائدا لدى عامة الناس في تونس، وهو نمط صنع فوارق لا بين الجهات فحسب، بل وداخل المدن والقرى والأحياء السكنية المتلاصقة. ويتجلى ذلك في المعلقات الموجودة على واجهات المباني والمحلات التجارية، كالمطاعم والمقاهي، وهي معلقات تدعو إلى لمّ شمل أبناء العمومة، كما لو أننا كنا في ضاحية لإحدى العواصم الغربية.

وقد أسقطت هذه الحملة الإعلامية والسياسية ضد ساكني الجنوب التونسي، وغيره من الجهات الداخلية، أقنعة وأزالت مساحيق زينت الخطاب السياسي، طوال ستة عقود، تحول خلالها جنوب البلاد إلى معبر للرحلات المدرسية ومنع حتى الذين ينطقون حرف القاف بثلاث نقاط من الظهور في المنابر الإعلامية، واقتصر هذا الظهور على ميادين الكرة.

avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)