أي السبل لتجنب البيعة

أي السبل لتجنب البيعة

02 يوليو 2014
+ الخط -

ونستون تشرتشل: الأميركيون يصيبون دائما، لكن بعد ارتكاب الأخطاء كلها.

من المبررات الكاذبة لدخول القوات الأميركية إلى العراق، في مارس/آذار 2003، إضافة إلى تهمة امتلاك وإنتاج أسلحة الدمار الشامل، كان اتهام الرئيس صدام حسين بأنه على علاقة بتنظيم القاعدة، الذي تبنى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

تبين فيما بعد، أن الرجل، إذ قُوض نظامه البعثي الديكتاتوري، لم تتبق في حوزته، من كل العراق، غير الحفرة التي وُجد فيها، والمسدس الذي لم يقو على استعماله، رفقاً بنفسه من إهانة الأميركيين.

اليوم، وعلى الرغم من أن نسخة متطورة من القاعدة، أعمق في دمويتها، موجودة بالقوة في العراق، إلا أننا نشهد تلكؤ إدارة الرئيس باراك أوباما في اتخاذ قرار عسكري حاسم في هذا الشأن، وعلى الرغم من كل العداء الاستراتيجي الذي تكنه الولايات المتحدة لإيران، لكنها انتهت، إذ راكمت كل الأخطاء، إلى أن تُقدم لها العراق هدية مقسطة.

كانت البداية مع الحاكم بول بريمر الذي عزف على أوتار الطائفية جيداً، ووضع أسسها الدستورية، ليرتقي الأمر، أخيراً، إلى التصريح بأن التدخل الإيراني المباشر في الأزمة الحالية مرغوب فيه.

حتى البرنامج النووي الإيراني، المرفوض الثابت من إسرائيل، والمؤرق لدول الخليج؛ والذي يشكل موضوع حوار متواصل، مُغلف بالترهيب والترغيب، لم يثن الإدارة الأميركية عن التقاطع مع الملالي، وتسويغ محاولات تقارب من الطرفين.

لم يكن السكوت عن المالكي، رجل إيران في العراق، وهو يستثمر دستور بريمر على هواه، بتثبيت الطائفية المقيتة، وما تستدعيه من زرع بذور الفساد، على حد التهمة التي كانت تصوغها الخمينية، لمعارضيها من الحداثيين، سوى سكوت تكتيكي يؤسس للأزمة الحالية المرغوب فيها أميركياً على ما يبدو.

وهو التكتيك نفسه الذي اتبع مع أكراد العراق، وها هم يوسعون حدود دولة المستقبل؛ وما زيارة جون كيري الأخيرة لمسعود برزاني، وما رشح عنها من تصريحات، غير تثبيت للوضع التوسعي الجديد للأكراد.

لا تخطئ عين الملاحظ ما يغمر المحاور الكردي من طمأنينة، وما تشتغل عليه وسائل الإعلام الدولية من إظهار الخريطة الكردية واحة للسلم والتماسك، تُشد إليها رحال الهاربين من دولة الإسلام في العراق والشام، التي أصبحت دولة خلافة الإسلام الكونية، وليس فقط في العراق والشام.

المطمئن الآخر اليوم، من حيث لم يحتسب، هو الديكتاتور بشار الأسد؛ ونعرف جميعا أنه بذل كل ما في وسعه لاستفزاز الأميركيين من أجل التدخل ضده؛ وصولاً إلى انتهاك الخطوط الحمراء، المرسومة بنجوم الراية الأميركية، في غير مرة؛ لكن، ظل التهديد مجرد فقاعة، وأي عمل أميركي أو دولي ملموس بقي جثة هامدة.

جرأة أثمرت دعماً روسياً وإيرانياً غير مشروطين، وتراخى الزمن مسبباً تآكل الثورة، وتَواردَ الخواطر الجهادية، في سائر أرجاء المعمورة، معلنة النفير إلى سورية؛ حتى من جنسيات غربية.

مرة أخرى، ظل التكتيك الأميركي سداً منيعاً، يحول دون سقوط الأسد، وتراوحت مواقف الدول العربية الأخرى بين الدعم المادي والإنساني للسوريين، والنأي بالنفس.

هكذا، بغتة، وفي الأول من رمضان؛ نودي بأبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، حيثما وُجدوا، يبايعون أو يُجَزَّونَ أو يُقتلون، ولا إكرام لأحد، ولو كان أيمن الظواهري بشخصه، أو حتى شبح أسامة بن لادن. مسطرة جهادية استعادت تقسيم العالم الى أرض الإسلام وأرض الكفر.

ماذا ينقصنا ليكتمل هذا المشهد الإسلاموي، الذي يبدو وكأنه شريط هوليودي، ينقصنا فعلاً ألا نثق في فهم الأميركيين للتاريخ الإسلامي، فقد يخلطون كل الأوراق، لإقامة الدول الشامية والعراقية، كما خطط لها بريم؛ وكما مهدت لها اتفاقية سايس-بيكو سنة 1916.

المشهد مغرق في السوريالية بالفعل؛ خصوصاً مع وجود خريطة فعلية، حازتها الخلافة الجديدة، وفي وجود عشرات آلاف من الرعايا المبايعين، من جنسيات متعددة، وفي وجود بيت مال حقيقي، ومخطط دموي مرعب، وتوسعي، أغضب حتى أيمن الظواهري، الذي وجد نفسه فجأة إماماً باطناً، مدعواً للخروج من كهوفه لأجل البيعة.

خلافة كاملة، على طريقة إعداد الهمبرغر الأميركي، في زمن عزّت فيه الديموقراطية، على الشعوب العربية، بل وتاقت بعضها لمجرد دساتير صورية، تحلم بأن تخفف عنها وطأة الاستبداد. إسقاط هذه الخلافة، خصوصاً للمعنيين بها مباشرة، لا يتأتى إلا بتقوية الجبهة الداخلية للمجتمعات، والاستثمار في الديمقراطية والحرية والتنمية المتكاملة؛ من دون إغفال رافعة الدين الحاضرة بقوة في مجتمعاتنا الإسلامية.

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)