أين يصنع المثقف؟

أين يصنع المثقف؟

21 يناير 2017
+ الخط -
كتب صديق لي يوماً، واصفاً حالة معينة نعيشها الآن، إنّه في الماضي كان يجد كتاباً في إحدى مكتبات "الفراشة" الأرضية، ويكتشف بعد إكمال الكتاب بسنوات أنّ الكاتب عاش في عصر النهضة، أو كتب قصائده في زمن حكم بني أمية، أما الآن فالحال مختلف، إذ تنتقد كتاباً أو تشيد بكاتب، فتجده يرّد عليك في منشور على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).
أرجعني التعليق إلى جلسة نيلية، سألني فيها أستاذنا السمؤال الشفيع: كم كان يعرف أبوك من الأدباء والشعراء معرفة شخصية؟ وكم تعرف أنت من مشاهير هذا المجال الآن؟
استلزمني الأمر برهةً لأعرف الفرق الكبير بين جيل والدي الذي كانت علاقته بالأدباء عبر الصحف الورقية ورسائل البريد والبرق وشخص معروف كل الذي احتاجه للوصول إليه أو لأحد أعماله كتابة اسمه على خانة البحث في إحدى المواقع الإلكترونية.
قادني ذلك كله إلى التفكير في مداخلة وردت في حوارية مجلة الحداثة السودانية، وهي مجلة ثقافية فكرية، وصاحبة المداخلة الدكتورة غادة كدودة، إذ طرحت سؤالاً: أين يصنع المثقف؟ وتعني المثقف السوداني خصوصاً.
المثقف الذي كان في الماضي يصنع أمام نوافذ المكتبات الثقافية وصحف الجامعات والمدارس الحائطية أو على أرصفة الطرقات، حيث تعرض أثمن البضائع (الكتب) صارت صناعته اليوم أسهل بكثير في منتديات الشبكة العنكبوتية والمدونات الشخصية الإلكترونية، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تعترف بمن يحق له الإطلاع من غيره بفضائها المفتوح على كل المجالات، تجسيداً لمبدأ حرية التعبير وعدم الحكر على الأفكار، تلك السياسات التي تنتهجها الشركات الأميركية التي تدير تلك المواقع .
ذلك جعل شباباً كثيرين واعدين يجدون ضالتهم، خصوصاً في مواضيع القراءة والكتابة والشعر، أرضية خصبة للفهم والاهتمام والتعبير، لم توجد في شوراع الجامعات والأحياء، فبهاتفك هذا تستطيع نقد رواية أو كتابة قصة قصيرة أو مقالة أو قصيدة، حتى لوحة وصورة ثم تجد النشر في ثوانٍ، وتلاقي أكبر عدد من المتابعين لهذا الفعل الأدبي أو الفكري، وإن كانت تمثل ديمقراطية في تعريف الناس بالكتاب والشعراء والأدباء، إلا أنها تعرّضت لانتقاد كثيرين بين ناقد لجودة المقدم في الإعلام الجديد، ولكن في النهاية الفن يحدّده الملتقي وليس الناقد يحدّد نسبة قبوله وإعجابه به .
التواصل الاجتماعي بسياستها الانفتاحية غير محتكرة الأفكار، فتحت باباً كبيراً لهولاء المثقفين والأدباء، وحتى من يريد السير في أحد دروب الثقافة، فانتشرت المنتديات والمجموعات الثقافية التي تعنى بالشعر والرسم والتصوير وحتى الغناء.
وأخيراً، بعد ذلك السرد، يصنع المثقف اليوم بطريقة غير منتظمة في فترة زمنية، مقدارها ما بين دخوله log in وخروجه log out، فهل استغلت تلك المنصات استغلالاً كاملاً من مراكز ودور الثقافة ووزارتها الحكومية؟
D959670F-D7EC-45E6-97FE-EEACAEEC691E
D959670F-D7EC-45E6-97FE-EEACAEEC691E
خالد سراج الدين (السودان)
خالد سراج الدين (السودان)