أيباك 2019: تكريس تحالف الإنجيليين الأميركيين مع اليمين الإسرائيلي

أيباك 2019: تكريس تحالف الإنجيليين الأميركيين مع اليمين الإسرائيلي

27 مارس 2019
يعول ترامب على القاعدة الإنجيلية لإعادة انتخابه(ماندال نغان/فرانس برس)
+ الخط -
بعد يوم من الاحتفال بفتح السفارة الأميركية في القدس المحتلة في مايو/أيار 2018، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً مع دائرة مصغرة من القساوسة والنشطاء الإنجيليين الأميركيين لشكرهم على المساعدة في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ قرار نقل السفارة، وللتخطيط للمرحلة المقبلة التي تبلورت رسمياً هذا الأسبوع مع توقيع قرار الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل بالتزامن مع انطلاق أعمال مؤتمر منظمة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة "أيباك" في واشنطن.

القرار الأميركي المتعلق بالجولان مرتبط بهذا الحلف الصاعد بين الإنجيليين المسيحيين الأميركيين واليمين الإسرائيلي أكثر منه ارتباطاً بدعم نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، أو لأي حسابات استراتيجية متعلقة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. نتنياهو حسم التحالف المطلق مع الإنجيليين المسيحيين الذين يعتقدون بعودة المسيح إلى الأرض لمحاربة الشر، وقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي تجاهل الاعتقاد المزمن لحلفائه الجدد الأميركيين بأن لا خلاص لليهود حتى قبول المسيح كمخلص لهم. كما يحاول ترامب استغلال هذا التماهي بين قاعدته الإنجيلية واليمين الإسرائيلي لتحويل شعار دعم إسرائيل من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري. وقد نجح ترامب نسبياً في هذا التحول خلال مؤتمر "أيباك" في واشنطن، والذي غاب عنه في خطوة غير مسبوقة أبرز مرشحي الرئاسة عن الحزب الديمقراطي، ويأتي بعد تصريحات النائب الديمقراطية إلهان عمر التي انتقدت فيها الدعم الأميركي لإسرائيل. ترامب حاول استغلال هذا الأمر عبر إثارة شكوك حول دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل. وقال، في 22 مارس/آذار الحالي، عن الديمقراطيين "لا أعرف ماذا حصل لهم، لكنهم مناهضون لإسرائيل بشكل كامل. صراحة، أعتقد بأنهم مناهضون لليهود". كما أوجد عبارة جديدة هي Jexodus أو خروج اليهود من الحزب الديمقراطي.

غاية ترامب النهائية ليست الصوت اليهودي الأميركي الذي يبقى 2 إلى 3 في المائة فقط من الناخبين الأميركيين، والمزاج العام بين اليهود الأميركيين منذ عقود طويلة كان وسيبقى في المدى المنظور مع الحزب الديمقراطي. ما لا يقوله ترامب هو تعويله على القاعدة الإنجيلية لتخرج إلى التصويت في العام 2020 لإعادة انتخابه لولاية ثانية. و70 في المائة من الأميركيين يعرفون أنفسهم كمسيحيين، و ٢٥ في المائة من هؤلاء يعرفون أنفسهم بأنهم إنجيليون، وقد صوّت 80 في المائة منهم لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية في العام 2016. وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لعب على هذا الوتر خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، إذ قال، رداً على سؤال من شبكة الإعلام المسيحي في القدس المحتلة حول إذا ما كان يعتقد أن الله أرسل ترامب مثل الملكة أستير التي تزوجت الملك الفارسي لتخليص اليهود من التهديد الفارسي، رد بومبيو "كمسيحي أعتقد بالتأكيد أن هذا ممكن".


هذا التحالف الإنجيلي مع اليمين الإسرائيلي يؤدي إلى انقسام حاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وفي استطلاع أجرته شبكة "سي أن أن"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يوافق 49 في المائة من الأميركيين على قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس (اعترض 71 في المائة من الديمقراطيين ووافق 79 في المائة من الجمهوريين). هذا التحالف غير المسبوق يتماهى في تهميش اليسار في كلا البلدين، ويتشارك نظرة الشك ذاتها حيال الإعلام والقضاء. لكن رهان ترامب على دعم إسرائيل لنيل أصوات الإنجيليين المسيحيين قد يساعده في الانتخابات على المدى القريب. لكنه على المدى البعيد، سيوسع الهوة بين الحزب الجمهوري والجيل الجديد من الإنجيليين الذي يبقى أكثر ليبرالية ويميل إلى علاقة أميركية أكثر توازناً مع إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أن علاقة نتنياهو، كرئيس وزراء إسرائيلي، كانت سيئة مع رئيسين ليبراليين، هما بيل كلينتون وباراك أوباما، فيما أتاه ترامب كهدية تعطيه لائحة من التمنيات، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مروراً بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وصولاً إلى الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. ومجرد اجتماع ترامب مع نتنياهو قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية سابقة في تقليد للرؤساء الأميركيين حرصوا فيه على تفادي لقاء رئيس وزراء إسرائيلي خلال حملة انتخابية، لعدم إعطاء انطباع بتفضيلهم مرشحا على آخر. وبعد تبرئة ترامب من تهمة تواطؤ حملته مع روسيا خلال الانتخابات الرئاسية في العام 2016، سيكون الانطباع عند الرأي العام الإسرائيلي بأن ترامب قد يحصل على ولاية ثانية، ما يعطي بعض التقدم لنتنياهو في استطلاعات الرأي لضمان استمرار العلاقة بينهما لمصلحة إسرائيل. هذا الدعم المطلق من ترامب لنتنياهو يتعارض مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وتغريدة ترامب عن الجولان طغت، الأسبوع الماضي، على زيارة بومبيو إلى بيروت وصرفت الأنظار عن محاولة ردع "حزب الله". وهذا التحالف الأميركي ــ الإسرائيلي يضع حلفاء واشنطن العرب في موقف صعب، فيما يقدم ترامب هدايا لنتنياهو على حسابهم ومن دون توقع تنازلات إسرائيلية في المقابل، ما يضعف استراتيجية إدارة ترامب ضد إيران ويقوي سردية طهران عن العلاقة الأميركية ــ الإسرائيلية. وفي وقت سابق هذا الشهر، تباهى ترامب بأنه قد يحصل على 98 في المائة من الأصوات إذا ترشح لمنصب رئيس وزراء إسرائيل. شعبيته في إسرائيل، بحسب مركز "بيو" للأبحاث، وصلت إلى 69 في المائة بعدما كانت 56 في المائة عام 2017، ومن هنا سعيه إلى توسيع نفوذ اليمين الأميركي على غرار اليمين الإسرائيلي.

هذا التحالف المتنامي بين الإنجيليين المسيحيين واليمين الإسرائيلي يؤدي إلى استقطاب غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية وفي منطقة الشرق الأوسط. كما يعيد هذا التفسير الديني السياسة الخارجية الأميركية مرة أخرى إلى حافة الهاوية عبر إعادة إنتاج ظاهرة مشابهة لرئاسة جورج بوش الابن. والنتيجة المقصودة وغير المقصودة لدعم نتنياهو نتيجة حسابات داخلية أميركية، هي تعزيز احتمالات المواجهة في المنطقة. هذا التحالف مع الإنجيليين المسيحيين يحرر نتنياهو من حاجته لإرضاء اليهود الأميركيين الذين يطالبونه دائماً بإطلاق مفاوضات مع الفلسطينيين، وبالتالي يفضل التعامل مع الأقلية اليهودية الأرثوذكسية في أميركا التي تتماشى أكثر مع أفكاره. السفير الإسرائيلي لدى واشنطن رون دريمر وصف، في حديث مع صحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي، الإنجيليين المسيحيين بأنهم "العمود الفقري" لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة. وبعدما كان هناك حديث عن سقوط أسطورة "أيباك" خلال سنوات رئاسة أوباما نتيجة خلافه الحاد مع نتنياهو حول الاتفاق النووي الإيراني والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، تعود الحياة إلى مؤتمر "أيباك" السنوي هذا العام بحيث تعززت قدرة المنظمة على إيصال رسائلها إلى البيت الأبيض.