Skip to main content
أيام حاسمة بتونس: احتجاجات تطاوين وملف المصالحة
بلغت نسبة التوتر السياسي والاجتماعي في تونس هذه الأيام حدًّا ينذر بأزمة حقيقية تتشابك فيها المعطيات، وسط تساؤلات عن كيفية حلّها أمام ضيق الحلول الممكنة بالنظر إلى صعوبة الوضع المعروفة من الجميع.

 
وبينما يفاوض رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، المحتجين في أقصى الجنوب التونسي في تطاوين، تتعالى أصوات أخرى في عدد من المدن للتعبير عن وضعها الصعب، وللمطالبة بحلول تنموية تنهي آلام الشباب العاطل ومعاناته، التي تستمر منذ ما قبل الثورة.

 
وبرغم أن الشاهد وعد بزيارة عدد من المحافظات، إلا أنه لا يمكن أن يتفاوض مع الجميع، والأهم أنه يستحيل أن يتوصل إلى حلول ترضي كل هذه الجهات، التي فقدت صبرها في انتظار الحلول.

 

ويبدو أن الأخبار القادمة من تطاوين تفيد بإمكانية فشل اللقاء أكثر من نجاحه، ما سيفتح على أيام صعبة أخرى، وإمكانية تصعيد الاحتجاجات، على الرغم من الإعلان عن عشرات القرارات التنموية للجهة، ولكن يبدو أن سقف مطالب الشباب المحتج أعلى بكثير مما تستطيع الحكومة تقديمه.

 

غير أن الوضع في تونس لا يتعلق بالاحتجاجات وحدها، وإنما هناك عوامل أخرى تجمّعت في نفس الوقت، لتحوّل هذه الأيام الى أيام حاسمة ربما تعصف بالوضع السياسي برمته.

 

ويلفت الأمين العام السابق لـ "الاتحاد العام التونسي للشغل"، حسين العباسي، إلى أن المطلوب في ظل تعمق الأزمة التي تواجه البلاد "إيجاد آليات جديدة لحوار جديد، انطلاقاً من وثيقة قرطاج، أو أي مبادرة أخرى، باعتبار أنه ليس من الممكن تواصل الوضع على ما هو عليه، مما يقتضي التحرك قبل أي وقت مضى من أجل إنقاذ تونس".

 

ونقل موقع" الصباح" عن العباسي قوله خلال مشاركته في المنتدى الحواري حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي ينظمه "اتحاد الشغل"، اليوم الخميس وغدا الجمعة، "إن تشخيص الوضع معروف ويردده الجميع، لكن تونس اليوم تستغيث، وفي حاجة ماسة وأكيدة إلى التحرك لإنقاذها قبل فوات الآوان".

 

ويشهد البرلمان حالياً انطلاق مناقشة قانون المصالحة، في إطار لجنة التشريع العام قبل طرحه للمصادقة في الجلسة العامة، ويشكّل هذا القانون مصدراً لتوتر عالٍ بين الرئاسة والمعارضة منذ سنتين، وسبباً لتحريك الشارع وخروج المظاهرات.

 

وتستميت المعارضة التونسية في إسقاط هذا المشروع بكل الوسائل، وتعتبره رهاناً سياسياً مهماً لها، تجتمع حوله برغم اختلافاتها الجذرية حول عدة ملفات، وانضمت إليها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم، مثل "الحزب الجمهوري" الذي دعا الرئاسة لسحب المشروع.

 

وتنظم أحزاب ومنظمات مدنية تحركات شعبية، نهاية هذا الأسبوع، للضغط على الحكومة بهدف إسقاط المشروع، بينما تصر الرئاسة والائتلاف الحاكم على تمريره متسلحة بأغلبيتها البرلمانية وحقها الديمقراطي، خصوصاً بعد إنهاء حركة النهضة ترددها حول هذا الموضوع وقرارها مساندته.

 

وتبرر الرئاسة هذا المشروع، بضرورة إنهاء معاناة آلاف الموظفين الذين لم يستفيدوا شخصياً من الإمضاء على عقود وقرارات استفاد منها غيرهم، وسبّب شللاً في الإدارة التونسية منذ سنوات.

 

وتعوّل الرئاسة أيضاً على محاسبة بعض رجال الأعمال، وإعادة الأموال التي تحصلوا عليها، مع غرامة مالية إضافية حدّدت بـ 5 بالمائة من مجموع هذه الأموال، ما قد يساهم في إنعاش الخزينة من ناحية، ورفع التحجير عن عودتهم للأعمال والاستثمار، بما يمكن أن يحرّك ماكينة الاقتصاد المعطلة.

 

غير أن توقيت طرح هذا القانون، يثير تساؤلات حول الاستراتيجية التي اختارها الائتلاف لحسم هذه الملفات الساخنة مرة واحدة، في ظل ظرف اجتماعي محتقن للغاية.

 

ومع كل هذه المعطيات، تضاف إلى منسوب التوتر العالي أخبار عن تغييرات في الحكومة قد تطيح بعدد من الوزراء، حيث تعتبر جهات عديدة من الائتلاف ومن خارجه، أن أداء بعض الوزراء لم يكن في المستوى المنتظر، بل وتسبب في مشاكل إضافية للحكومة هي في غنى عنها.

 

ويؤكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، نور الدين العرباوي، أن "هناك اليوم فعلاًَ ما يدعو إلى إقرار تحوير وزاري جزئي في الوزارات التي تشهد صعوبات ومشاكل، وهو ما سيتم النظر فيه قريباً بين الأطراف المعنية".

 

 ويضيف العرباوي في تصريح صحافي أن"المسؤول الأول عن تقييم أداء الوزراء هو رئيس الحكومة وشركاؤه في الحكم".

 

وتؤكد المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد" أن توقيت هذا التغيير الحكومي سيكون قريباً، وقد يفاجئ بعض المتابعين، وقد انطلقت بالفعل المشاورات بين رئيس الحكومة والأحزاب الداعمة له حول هذه الحقائب، وسط خلافات حول بعض الخيارات، وأسئلة حول قدرة هذه التعديل الوزاري في تغيير أداء الحكومة بصفة جذرية، تمكن من تغيير الأوضاع بالفعل.