أيام "عاصفة الحزم" ثقيلة على إيران

أيام "عاصفة الحزم" ثقيلة على إيران

02 ابريل 2015
ظريف طالب السعودية بالتراجع عن قرارها (فرانس برس)
+ الخط -

أسبوع مر ثقيلاً على إيران منذ إعلان السعودية البدء بعملية "عاصفة الحزم" العسكرية مع تسع دول أخرى لتوجيه ضربات جوية لمواقع الحوثيين في اليمن وهم حلفاء طهران هناك، ووصلت الرسالة مباشرة إلى الداخل الإيراني، فصنّاع القرار في إيران يعلمون تماماً ما تحمله هذه الخطوة بين طياتها.

خلال هذا الأسبوع زادت وتكثّفت عمليات طائرات التحالف، وتصاعدت معها التصريحات الإيرانية، التي كانت واضحة منذ اليوم الأول لهذه العمليات، فأبدى المسؤولون الإيرانيون انتقاداتهم للقرار السعودي، ونددوا به واعتبروه كفيلاً بإشعال المنطقة بأسرها.

خرج أول تعليق رسمي إيراني على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والمنشغل أساساً بجولة حساسة وحاسمة من مفاوضات بلاده النووية مع الغرب في لوزان السويسرية. ظريف طالب الرياض بالتراجع عن قرارها الذي اعتبره سيلهب المنطقة وسيكون كفيلاً بتقدّم الإرهاب والتطرف والعنف. وجاءت كل التصريحات الإيرانية من بعده لتعزف على اللحن ذاته.

"عاصفة الحزم" لم تكن متوقعة في الداخل الإيراني، كما لم يكن مُتوقَعاً أيضاً إبداء رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، الداعي الدائم للتقارب مع السعودية، لوجهات نظر متشددة تجاه الرياض. حتى أن مستشاره، قدرت الله عليخاني، أعلن إلغاء زيارة لرفسنجاني إلى الرياض، وخطوة من هذا النوع تعني أن التراشق السياسي بين الرياض وطهران متجه نحو المزيد من التصعيد.

ولطالما كانت الخلافات قائمة بين الطرفين السعودي والإيراني بسبب العديد من القضايا طيلة السنين الماضية، وكلما شهدت العلاقات تحسناً نسبياً كلما طرأ أمر يعيد تنافس هذين البلدين في المنطقة إلى الواجهة، وكم ذكّر ما يجري في اليمن بالأزمة السورية أو حتى بما جرى في البحرين قبل أعوام.

وشكّل هذان الملفان منعطفاً في العلاقات الإيرانية السعودية، ليس بسبب تباين المواقف إزاءهما وحسب، وإنما لمحاولة لعب دور رئيس جعل هذين البلدين يقودان محورين مختلفين تماماً في الصراع الإقليمي. ومن الممكن أن ينطبق هذا الكلام نسبياً على العلاقات الإيرانية السياسية مع تركيا، فالبلدان يحاولان دائماً عدم خلط ملفات السياسة بالاقتصاد، خصوصاً أن مصالحهما الاقتصادية والتجارية متقاطعة غالباً.

اقرأ أيضاً: ساحة الحرب اليمنية تتّسع: مواجهات حدودية وإِشارات سياسية

لكن لا يخفى أن "عاصفة الحزم" ألقت بظلالها السلبية على التراشق السياسي الإيراني التركي أيضاً، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخذ موقفاً موالياً للطرف السعودي، بل وصعّد من تصريحاته إزاء إيران، قائلاً إن طهران تعمل على بناء نفوذ في المنطقة وتلعب دوراً بات مزعجاً لتركيا وللسعودية ولأطراف إقليمية أخرى، بل وطالب إيران بسحب قواتها من كل من سورية والعراق.

وهو ما أزعج الإيرانيين وجعل الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال التركي لتبلغه امتعاضها من تصريحات الرئيس التركي. وتصاعدت التنديدات في الداخل الإيراني، وطالب العديد من المحافظين بإلغاء زيارة أردوغان المرتقبة لطهران وعدم استقباله.

وعلى الرغم من كل هذا التصعيد، تسير طهران بالتوازي لامتصاص الصدمة من هذه الأزمة التي تعنيها وتؤثر على دورها ومكانتها في المنطقة بشكل مباشر، فقد بدأت التحركات الإيرانية بشكل عملي منذ إعلان رئيس الدائرة العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، عن مقترح إيراني جديد لحل الأزمة اليمنية، لافتاً إلى أن طهران تسعى للتواصل مع الرياض لفتح حوار بهذا الصدد.

عبد اللهيان، الذي كان موجوداً في الكويت للمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث للمانحين لمساعدة سورية، التقى أيضاً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وأبلغه وجهة النظر الإيرانية مطالباً إياه بالتحرك لوقف ما وصفه بالتدخل الخارجي في شؤون اليمن، وقال صراحة إن أمن اليمن من أمن إيران ومن أمن المنطقة ككل، وعلى هذا الأساس ستستمر طهران بمساعيها.

المسعى الإيراني تكلّل أيضاً بإرسال وكيل الخارجية الإيرانية، مرتضى سرمدي، في جولة إقليمية، بدأها في سلطنة عمان. واختيار هذا البلد، الذي لطالما لعب دور الوسيط في كل الملفات الحساسة التي تعني إيران، يعني أن طهران تحاول تفعيل مقترحها لاستئناف حوار بين الأطراف اليمنية.

ويقول الدبلوماسي السابق في الخارجية الإيرانية، هادي أفقهي، إن السلطان قابوس بن سعيد صديق مقرّب من إيران التي ترى في عمان طرفاً عقلانياً وحكيماً، وتم إرسال وكيل الخارجية إلى هناك حاملاً رسالة لتبنّي حوار في مسقط وللبدء بتنسيق سياسي وأمني برعاية عمانية، لافتاً إلى أن الحوثيين وافقوا على هذا الخيار، لكن السعودية التي رفضت في وقت سابق خياراً مماثلاً، تبقى الطرف المتشدد.

وفضلاً عن المساعي الدبلوماسية، أكدت الخارجية الإيرانية استمرار إرسال المزيد من المساعدات الدوائية والطبية والغذائية لمطار صنعاء، وبررت المتحدثة باسم الخارجية، مرضية أفخم، الأمر بأن اتفاقيات التعاون الموقّعة أخيراً بين هيئتي الطيران الإيرانية واليمنية تسمح بهذا الأمر، نافية إرسال بلادها لأي مساعدات عسكرية إلى اليمن.

ولكن السؤال المطروح هو كيف تصل هذه المساعدات في وقت يُعتبر فيه مطار صنعاء هدفاً لمرمى ضربات التحالف العشري، وكيف حطّت الطائرة الإيرانية التي حملت مساعدات جديدة في مطار صنعاء ليل الثلاثاء، يجيب أفقهي، "العربي الجديد"، قائلاً إنه تم التنسيق مع دولة وسيطة ثالثة، لم يذكر اسمها، ضمنت وصول الطائرة الإيرانية إلى أحد المدرجات غير المتضررة من الضربات، وتم الاتفاق على عدم استهدافها والسماح بوصولها.

ويعلم الجميع بأن أي ضربة مباشرة لأي طائرة إيرانية قد تكون كفيلة بفتح جبهة كبيرة، وخصوصاً أن المراقبين في الداخل الإيراني يتوقعون رداً إيرانياً مباشراً ومبرراً على عمل من هذا النوع، ولكن في ظل الوضع الراهن ستستمر طهران بجهودها ومساعيها الدبلوماسية في محاولة للتخفيف من التصعيد الذي زاد التأثير السلبي على علاقاتها مع بعض الأطراف في المنطقة.

ولكن ماذا لو بدأت الحرب البرية في اليمن، وماذا لو فشلت مبادرة الإيرانيين؟ في هذه الحالة يتوقّع محللون إيرانيون تصعيداً، مع استبعاد المواجهة المباشرة مع السعودية على الأقل في الوضع الراهن. ويتوقع البعض في هذه الحالة دوراً إيرانياً على غرار الدور المعلن في سورية والعراق، ففي حال عدم احتواء الأزمة قد تضطر طهران للإعلان عن إرسال مستشارين عسكريين إلى هناك لمساعدة الحوثيين، ولكن هذا كفيل الآن بزيادة التوتر، وهو ما لا تريده الحكومة الإيرانية التي تتبنى خطاباً دبلوماسياً معتدلاً في الوقت الحالي، وتبحث عن حلول للعديد من ملفاتها.

المساهمون