20 أكتوبر 2024
أوهام إسرائيلية عن لبنان
تحل ذكرى مرور 13 عاماً على حرب تموز 2006، أو كما يسمّيها الإسرائيليون حرب لبنان الثانية، في وقت عصيب يمر فيه لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وشكلت تلك الحرب التي شنتها إسرائيل رداَ على هجوم قام به حزب الله بالقرب من الحدود اللبنانية ضد قوة من الجيش الإسرائيلي، نقطة تحول أساسية في المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، وكانت آخر مواجهة عسكرية واسعة النطاق يخوضها الطرفان. ومنذ ذلك الحين، يسود هدوء نسبي على الحدود اللبنانية الجنوبية، في ظل "توازن رعب" بين الترسانة الضخمة من الصواريخ التي استطاع حزب الله بناءها بعد هذه الحرب، والتهديدات بأن أي هجوم جديد يشنه الحزب سترد عليه إسرائيل بتدمير هائل للبنان كله.
عند قراءه التقويمات الإسرائيلية على مرور 13 عاماً على ذلك العدوان على لبنان، يبرز أمران: تضخيم إسرائيلي متأخر للنتائج الإيجابية و"الإنجازات" التي حققتها الحرب؛ وجهل إسرائيلي بالواقع الفعلي لمكانة حزب الله الحالية ودوره في الواقع اللبناني الراهن. ويبدو مع مرور الزمن تراجع حدة الانتقادات التي وجهت في إسرائيل إلى أداء القيادتين، السياسية والعسكرية، لتلك الحرب، وعدم وضع أهداف سياسية واضحة؛ ولعجزها عن تفكيك البنى التحتية العسكرية لحزب الله، على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بالحزب، وفشل الحرب في جعل القاعدة الشيعية للحزب تغير موقفها الداعم له، على الرغم من الثمن الباهظ الذي تكبدته في السنوات الأخيرة، وحل محل هذه الانتقادات حديثٌ عن إنجازات هذه الحرب في تعزيز الردع الإسرائيلي وترسيخه في مواجهة حزب الله.
تتجاهل هذه التقويمات المتفائلة حقيقة أساسية راهنة، أنه على الرغم من الهدوء الظاهري على الجبهة اللبنانية، فإن السلاح الذي يملكه الحزب اليوم وترسانته الصاروخية التي تشمل صواريخ دقيقة وأدوات قتالية متطورة أخرى، يجعل هذه الجبهة أكثر خطورة بكثير عن السابق، سيما في ظل التوتر السائد بين إيران والولايات المتحدة، جرّاء الأحداث التي شهدتها المنطقة أخيرا، وإعلان طهران، رداً على العقوبات الأميركية المفروضة عليها، العودة إلى تخصيب اليوارنيوم على درجةٍ أعلى مما يسمح به الاتفاق، وعودة الحديث عن استعداد إسرائيل لوقف المشروع النووي الإيراني بقواها الذاتية، كما لمّح إليه أخيراً رئيس المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد)، يوسي كوهين، في خطاب في مؤتمر عقده مركز هرتسليا.
صحيحٌ أن للاعتبارات الداخلية اللبنانية وزنا كبيرا في أي قرار يتخذه حزب الله بشن هجوم
ضد إسرائيل، لكن التماهي الكبير الحالي بين قيادة حزب الله العسكرية وقائد فيلق القدس قاسم سليماني ربما يعطي الاعتبارات الإيرانية الأولوية على اللبنانية الداخلية، ما يمكن أن يؤدي مجدّداً إلى تحويل لبنان إلى ساحة مواجهة بالوكالة، ولكن هذه المرة بين إيران وإسرائيل.
الأمر الآخر الذي يثير الاستغراب في تقويمات الإسرائيليين هو الاعتقاد أن على حكومتهم الضغط على إدارة ترامب، كي تغير موقفها الداعم للحكومة والجيش اللبنانيين، والتخلي عن سياستها القائمة على التمييز بين حزب الله والحكم الرسمي في لبنان، بحجة أن الأخير، بكل مفاصله، واقع تحت تأثير حزب الله ونفوذه. هذه الفكرة التي يحملها سياسيون ومحللون إسرائيليون هي في رأيهم ستساهم في حسم الحرب المقبلة ضد حزب الله، لأن تخلي الأميركيين عن حكومة لبنان سيجعلها هدفاً مشروعاً لهذه الحرب. وقد سبق أن استخدمت إسرائيل مرات القوة العسكرية المفرطة ضد أهداف مدنية، من دون موافقة أحد، في لبنان وغزة، وثبت بصورةٍ لا تقبل الشك أن ضرب المدنيين والبنى التحتية لا يحسم معركة عسكرية، ولا يحقق انتصاراً حاسماً.
يعتقد إسرائيليون أنه إذا ضغطت الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية، وطلبت من الجيش القيام بدور أكثر فعالية، فهذا سيضعف مكانة حزب الله. كتب هذا أخيرا رئيس الأركان السابق، غادي أيزنكوت، في مقال له، رأى فيه أن تعزيز قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل) وزيادة عددها سيحد من تعاظم قوة حزب الله العسكرية، وأن في استطاعة الولايات المتحدة الضغط مالياً على الحكومة اللبنانية، لفرض هيبة الدولة والحد من نفوذ حزب الله. وهذا دليل سذاجة وجهل.
تدل المراجعة الإسرائيلية لنتائج حرب تموز 2006 على عمى إسرائيلي، وعجز عن رؤية الواقع كما هو فعلاً في لبنان الذي، يوماً بعد يوم، يظهر تهاوي المؤسسات السياسية التي تحكم لبنان، وتراجع وضعف الأداء السياسي لمختلف الأحزاب اللبنانية، وبروز حزب الله قطبا سياسيا مركزيا، وأنه الذي يدير اللعبة السياسية الداخلية في البلد. كما تعكس هذه المراجعات عقماً فكرياً إسرائيلياً في معالجة التهديد الذي يمثله حزب الله على إسرائيل من لبنان، ورغبة في تحويل إخفاقات الحرب الماضية إلى إنجازات وهمية.
عند قراءه التقويمات الإسرائيلية على مرور 13 عاماً على ذلك العدوان على لبنان، يبرز أمران: تضخيم إسرائيلي متأخر للنتائج الإيجابية و"الإنجازات" التي حققتها الحرب؛ وجهل إسرائيلي بالواقع الفعلي لمكانة حزب الله الحالية ودوره في الواقع اللبناني الراهن. ويبدو مع مرور الزمن تراجع حدة الانتقادات التي وجهت في إسرائيل إلى أداء القيادتين، السياسية والعسكرية، لتلك الحرب، وعدم وضع أهداف سياسية واضحة؛ ولعجزها عن تفكيك البنى التحتية العسكرية لحزب الله، على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بالحزب، وفشل الحرب في جعل القاعدة الشيعية للحزب تغير موقفها الداعم له، على الرغم من الثمن الباهظ الذي تكبدته في السنوات الأخيرة، وحل محل هذه الانتقادات حديثٌ عن إنجازات هذه الحرب في تعزيز الردع الإسرائيلي وترسيخه في مواجهة حزب الله.
تتجاهل هذه التقويمات المتفائلة حقيقة أساسية راهنة، أنه على الرغم من الهدوء الظاهري على الجبهة اللبنانية، فإن السلاح الذي يملكه الحزب اليوم وترسانته الصاروخية التي تشمل صواريخ دقيقة وأدوات قتالية متطورة أخرى، يجعل هذه الجبهة أكثر خطورة بكثير عن السابق، سيما في ظل التوتر السائد بين إيران والولايات المتحدة، جرّاء الأحداث التي شهدتها المنطقة أخيرا، وإعلان طهران، رداً على العقوبات الأميركية المفروضة عليها، العودة إلى تخصيب اليوارنيوم على درجةٍ أعلى مما يسمح به الاتفاق، وعودة الحديث عن استعداد إسرائيل لوقف المشروع النووي الإيراني بقواها الذاتية، كما لمّح إليه أخيراً رئيس المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد)، يوسي كوهين، في خطاب في مؤتمر عقده مركز هرتسليا.
صحيحٌ أن للاعتبارات الداخلية اللبنانية وزنا كبيرا في أي قرار يتخذه حزب الله بشن هجوم
الأمر الآخر الذي يثير الاستغراب في تقويمات الإسرائيليين هو الاعتقاد أن على حكومتهم الضغط على إدارة ترامب، كي تغير موقفها الداعم للحكومة والجيش اللبنانيين، والتخلي عن سياستها القائمة على التمييز بين حزب الله والحكم الرسمي في لبنان، بحجة أن الأخير، بكل مفاصله، واقع تحت تأثير حزب الله ونفوذه. هذه الفكرة التي يحملها سياسيون ومحللون إسرائيليون هي في رأيهم ستساهم في حسم الحرب المقبلة ضد حزب الله، لأن تخلي الأميركيين عن حكومة لبنان سيجعلها هدفاً مشروعاً لهذه الحرب. وقد سبق أن استخدمت إسرائيل مرات القوة العسكرية المفرطة ضد أهداف مدنية، من دون موافقة أحد، في لبنان وغزة، وثبت بصورةٍ لا تقبل الشك أن ضرب المدنيين والبنى التحتية لا يحسم معركة عسكرية، ولا يحقق انتصاراً حاسماً.
يعتقد إسرائيليون أنه إذا ضغطت الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية، وطلبت من الجيش القيام بدور أكثر فعالية، فهذا سيضعف مكانة حزب الله. كتب هذا أخيرا رئيس الأركان السابق، غادي أيزنكوت، في مقال له، رأى فيه أن تعزيز قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل) وزيادة عددها سيحد من تعاظم قوة حزب الله العسكرية، وأن في استطاعة الولايات المتحدة الضغط مالياً على الحكومة اللبنانية، لفرض هيبة الدولة والحد من نفوذ حزب الله. وهذا دليل سذاجة وجهل.
تدل المراجعة الإسرائيلية لنتائج حرب تموز 2006 على عمى إسرائيلي، وعجز عن رؤية الواقع كما هو فعلاً في لبنان الذي، يوماً بعد يوم، يظهر تهاوي المؤسسات السياسية التي تحكم لبنان، وتراجع وضعف الأداء السياسي لمختلف الأحزاب اللبنانية، وبروز حزب الله قطبا سياسيا مركزيا، وأنه الذي يدير اللعبة السياسية الداخلية في البلد. كما تعكس هذه المراجعات عقماً فكرياً إسرائيلياً في معالجة التهديد الذي يمثله حزب الله على إسرائيل من لبنان، ورغبة في تحويل إخفاقات الحرب الماضية إلى إنجازات وهمية.
دلالات
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024