أول مواجهة بين الكاظمي والمليشيات المرتبطة بإيران

أول مواجهة بين الكاظمي والمليشيات المرتبطة بإيران

27 يونيو 2020
تُتهم "كتائب حزب الله" بمهاجمة المتظاهرين (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

في أول احتكاك فعلي بين رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي والمليشيات المرتبطة بإيران، أقدمت قوة أمنية على اعتقال 14 عنصراً من "كتائب حزب الله" العراقية جنوبي العاصمة بغداد، كانوا يحضّرون لإطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، وفق اتهام رسمي، لتقابل المليشيات ذلك بالنزول إلى شوارع العاصمة ومحاصرة أحد مقرات جهاز مكافحة الإرهاب، مع إطلاق تهديدات للكاظمي، لتصبح العملية السياسية في العراق أمام لحظة مكاشفة حيال حقيقة تغول الفصائل المسلحة داخل الدولة، وقدرة الحكومة على مواجهتها.

وفي تفاصيل ما جرى، أقدمت قوة مشتركة من جهاز مكافحة الإرهاب، ووحدة العمليات الخاصة في الجيش العراقي، بمشاركة جهاز المخابرات، على اقتحام مقر لمليشيا "كتائب حزب الله" في حي الدورة، جنوبي العاصمة بغداد، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس، بأوامر من الكاظمي ومذكرات قضائية رسمية.
وأفادت المعلومات المتوفرة بشأن العملية، التي تعد الأولى من نوعها التي تنفذها قوات نظامية ضد مليشيا مرتبطة بـ"الحشد الشعبي"، بأن الاقتحام الذي نفذته القوة المشتركة وبإشراف ومتابعة من الكاظمي، جاء عقب معلومات من جهاز المخابرات تشير إلى وجود مخطط لاستهداف معسكر للقوات الأميركية يقع ضمن حرم مطار بغداد الدولي، غربي العاصمة، كان قد تم استهدافه مرتين الأسبوع الماضي، بواسطة صواريخ "كاتيوشا".

وكشف موظف في مكتب رئيس الحكومة، مطلع على ملابسات العملية، تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، أن قوة تتألف من نحو 40 عربة مدرعة اقتحمت مقر "كتائب حزب الله" في قرية البو عيثة، الواقعة في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، والتي هجّرت المليشيا الكثير من سكانها، ونجحت خلال العملية باعتقال جميع أفراد المجموعة المسلحة الموجودة في المقر، فضلاً عن مصادرة 3 منصات لإطلاق الصواريخ محلية الصنع وصواريخ من طراز "كاتيوشا" وأجهزة ملاحة وتحديد مواقع "جي بي أس"، وأجهزة تفجير عن بُعد، وبطاريات وأسلاك، فضلاً عن أسلحة مزودة بكاتم للصوت ومواد ممنوعة مختلفة. وأضاف أن المجموعة كانت تتهيأ لتنفيذ هجوم صاروخي، وجرت العملية بأوامر قضائية ورسمية.
ولفت إلى أن المجموعة واحدة من أصل ثلاث مجموعات متورطة بمهاجمة القواعد والمصالح الأميركية، بما فيها السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، نافياً في الوقت نفسه أن تكون العملية تمت بإسناد عسكري أميركي كما روجّت له وسائل إعلام تابعة للمليشيات، كاشفاً عن اقتياد المجموعة إلى سجن تابع لمديرية الاستخبارات العسكرية.

في السياق، قالت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن أحد الذين تم اعتقالهم من المجموعة إيراني الجنسية، وهو ما لم تؤكده مصادر أخرى تواصلت معها "العربي الجديد"، لكن أحد ضباط الشرطة الاتحادية المنتشرة في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، قال لـ"العربي الجديد"، إن المكان يستضيف بالعادة إيرانيين ولبنانيين منذ عام 2017. وأكدت المصادر أن من بين المعتقلين أشخاصاً بارزين، أحدهم يلقب بـ"حيدر سمتيه"، ويعتقد أنه متورط بالهجوم الذي استهدف متظاهري ساحة الخلاني في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الشبان العراقيين المتظاهرين والمعتصمين، في مجزرة مروعة لم تفِ حكومة عادل عبد المهدي بوعود كشف ملابساتها. وشددت المصادر على أن التحليق الكثيف للمروحيات التابعة للجيش العراقي في سماء بغداد كان من أجل رصد أي محاولات إطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء أو تحرك غير محسوب من قبل مليشيا "حزب الله".

أما السلطات العراقية، فأكدت في بيان، اعتقال 14 عنصراً من "كتائب حزب الله" بناء على مذكرات قضائية لتورطهم بعمليات قصف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي، محذرة في الوقت نفسه من أنها ستواجه أي تصرفات مخالفة للقانون، في إشارة الى تهديدات مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران للحكومة وتحديدها مهلة للحكومة لإطلاق سراح المعتقلين.
وقال بيان لقيادة العمليات العراقية المشتركة، وهي أعلى تشكيل أمني عسكري في البلاد ويضم وزارات الدفاع والداخلية وأجهزة المخابرات ومكافحة الإرهاب والأمن الوطني، ويشرف عليها دستورياً رئيس الوزراء، إنه "توفرت معلومات استخبارية دقيقة عن الأشخاص الذين سبق أن استهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة عدة مرات، ورصدت الأجهزة المعنية نوايا جديدة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على أهداف حكومية داخل المنطقة الخضراء، وجرى تحديد أماكن وجود المجموعة المنفذة لإطلاق النيران استخبارياً، وأعدّت مذكرة إلقاء قبض أصولية بحقهم مِن القضاء العراقي وفق قانون مكافحة الإرهاب".

وأكد البيان أنه "تم تكليف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ مهمة إلقاء القبض والحيلولة دون تنفيذ العمل الإرهابي ضد مواقع الدولة، ونفذ الجهاز المهمة بمهنية عالية، ملقياً القبض على 14 متهماً، وهم عديد كامل المجموعة مع المبرزات الجرمية المتمثلة بقاعدتين لإطلاق الصواريخ".
وأشار البيان الى أنه بعد العملية تحركت جهات مسلحة نحو مقرات حكومية من داخل المنطقة الخضراء وخارجها واقتربت من أحد مقرات جهاز مكافحة الإرهاب داخل المنطقة الخضراء، واحتكت به، معتبراً أن هذه الجهات لا تريد أن تكون جزءاً مِن الدولة وتسعى إلى البقاء خارج سلطة القائد العام للقوات المسلحة الدستورية والقانونية، محذراً من خطورة هذا التصرف وأنه لا يمكن السماح به تحت أي ذريعة كانت.


وعقب العملية، أقدم المئات من مسلحي "كتائب حزب الله"، التحقت بهم أعداد من مليشيا "النجباء" وفصائل أخرى تابعة لإيران تعرف بـ"الولائية"، على النزول إلى شوارع بغداد بسيارات رباعية الدفع مع أسلحة متوسطة وخفيفة، وقاموا بمحاصرة أحد مقرات جهاز مكافحة الإرهاب في منطقة الجادرية والتجمع أمام المنطقة الخضراء، مهددين باقتحام مبنى الجهاز في حال لم يتم إطلاق سراح الموقوفين.

في المقابل، شوهدت قوات عراقية إضافية تحيط بالمنطقة الخضراء، وسط بغداد، ومقرات الحكومة، في الوقت الذي نشرت فيه وسائل إعلام صوراً تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمن قالت إنهم مسؤولون عن تنفيذ الهجوم مع عبارات تهديد، أبرزهم اللواء حسين العزاوي، قائد القوة العراقية التي نفذت عملية اعتقال عناصر "حزب الله".

وأطلقت مليشيات مسلحة عدة ضمن "الحشد الشعبي"، تهديدات وشتائم بحق رئيس الوزراء، أبرزها ما جاء على لسان المتحدث باسم "كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، الذي هاجم الكاظمي ووصفه بـ"المسخ"، مطالباً في منشور عبر "تلغرام"، بإطلاق سراح من تم اعتقالهم، مجدداً اتهامه للكاظمي بأنه مشارك في عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب زعيم "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس. ووصف عملية اعتقال أعضاء في المليشيا بأنها "عربون عمالة جديد" من الكاظمي للولايات المتحدة.

من جهته، حذر نائب زعيم مليشيا "النجباء"، نصر الشمري، رئيس الوزراء مما وصفه باستهداف الفصائل، مضيفاً في تصريح نقلته وسائل إعلام تابعة للمليشيا: "نحذر من أي محاولة لاستهدافهم ولجر الأطراف إلى فتنة داخلية في هذه الأيام العصيبة وهذا الوضع الوبائي، وستكون حتماً محاولة فاشلة وغير محسوبة النتائج وقد تجر على من أمر بها ما لم يكن بحسبانه مطلقاً".

كما صدرت تصريحات عن نواب من تحالف "الفتح" (الذي يمثل الحشد)، في البرلمان العراقي تهاجم الكاظمي وتطالبه بإطلاق سراح من تم اعتقالهم فوراً.
وكشف نائب في "الفتح"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن اتصالات مكثفة ووساطات بين زعامات سياسية شيعية، أبرزها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهادي العامري، مع الكاظمي من أجل إطلاق سراح المجموعة المعتقلة أو تحويل جهة اعتقالهم من الاستخبارات إلى قوة "أمن الحشد الشعبي"، لافتاً إلى أنه لم يتم إطلاق سراح أي من الذين تم اعتقالهم، باستثناء حارس في المقر الذي تم اقتحامه، والجميع بانتظار عرضهم على قاضي التحقيق، متوقعاً حملة سياسية وبرلمانية قد تتطور إلى أزمة سياسية ضد الكاظمي في الساعات المقبلة.

وعن هذه التطورات، قال الخبير السياسي في الشأن العراقي أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن ما حصل في بغداد، ليلة الخميس - الجمعة، "هو أول اختبار حقيقي لرئيس الوزراء، كما أنه يؤكد زيف خضوع المليشيات لسلطة الدولة والقانون، بخروجها إلى الشوارع مع الأسلحة والقذائف وتطويق مبانٍ حكومية ومهاجمة الكاظمي، ومنح مهل بالساعات أو الرد بالصواريخ على السفارة الأميركية ومقر الحكومة، كما شاهدنا في تغريدات لقيادات منهم على موقع التواصل، ما يؤكد أن هناك مشكلة كبيرة في العراق وهي سلطة المليشيات المستقوية بإيران". وأضاف الحمداني أن "خطوة الكاظمي تُعتبر لحظة مكاشفة حقيقية لصورة لطالما رفض الساسة الاعتراف بها، وهي تسلُّط المليشيات وابتلاعها لمفهوم الدولة والقانون، لذا يمكن القول إن هناك حرباً تلوح في الأفق، سياسية، وقد تتطور إلى مواجهات مسلحة، فيما قد يستفيد الكاظمي من تأييد الشارع العراقي لخطوته تلك إذا كان راغباً فعلاً في استعادة هيبة الدولة".

أما النائب في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، فتوقع في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن تكون هناك انعكاسات سياسية لما حدث، لكن يجب أن تكون كل ردة فعل بعيدة عن الشعب العراقي وأمنه"، مضيفاً أن "هناك جهات باتت أعلى من القانون وهيبة الدولة وكلما تخطو الدولة العراقية خطوات تعمل هذه الجهات على إضعاف هيبة الدولة وقوتها"، معتبرا أنه "بوجود هذه الجهات فإن البلاد من سيئ الى أسوأ والأوضاع تتجه لمراحل حرجة".

فيما اعتبر عضو "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، النائب علي البديري، عملية اعتقال مجموعة مليشيا "كتائب حزب الله" بأنها "إجراء حكومي ويجب رفض أي عمل يكون ضد الدولة"، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هيبة الدولة خط أحمر، وعلى الجميع احترام ذلك، وأي تدخل سياسي يجب أن يكون لصالح الدولة".