أوصيكم بمتابعة النضال

أوصيكم بمتابعة النضال

10 فبراير 2015
خلال مشاركة الحباشنة في أحد الاعتصامات (العربي الجديد)
+ الخط -

"مصارعةُ المرض أسهل من مصارعة العقول المتحجرة التي تحارب الحق". هذا ما كانت تقوله المناضلة نعمة الحباشنة (54 عاماً)، وهي على سرير المستشفى لزوارها، بعدما اكتشفت إصابتها بمرض السرطان في مرحلة متأخرة. قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة يوم الأحد الماضي، أوصت الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين الاستمرار في النضال "حتى تحقيق الحلم الذي أنجزنا نصفه".

خلال تسع سنوات مضت، لم ترفع الحباشنة الراية البيضاء خلال مصارعتها "العقول المتحجرة وأعداء الحق". كانت تطرق أبواب رفيقاتها اللواتي جمعتهن المصيبة، وتحثهن على المطالبة بحقوقهن وحقوق أبنائهن. أيضاً، لطالما طرقت أبواب المسؤولين التي لم تكن تفتح في وجهها. فيما نجحت في كسب تأييد وسائل الإعلام.
تميّزت بتلقائيتها وطرحها البسيط السلس لقضيتها. قادت تحركات حقوقية لمنح الحقوق والجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، تحت شعار "أمي أردنية وجنسيتها حق لي".

البداية كانت عام 2006. يومها كانت الحباشنة التي تحمل الجنسية الأردنية، وهي أرملة رجل مغربي الجنسية، تطالب إحدى الدوائر الرسمية بعلاج مجانيّ لإحدى بناتها بسبب افتقارها للمال. إلا أن الموظف قال لها: "لا تنطبق الشروط على ابنتك لأنها لا تحمل رقماً وطنياً. لماذا تزوّجت من مغربيّ؟". حاولت مناقشته، فرمى الأوراق في وجهها، طالباً منها المغادرة.
بعدها، أقسمت الحباشنة أن تحصّل حقوقها وحقوق جميع الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، وحقوق أبنائهن، وأطلقت صفحة على "فيسبوك" حملت اسم "أمي أردنية وجنسيتها حق لي"، لتصطدم بقانون الجنسية الأردني الذي يعطي الرجل حقّ منح جنسيّته لزوجته وأولاده حصراً، في حين يحظر هذا الحقّ على النساء. لكنها استعانت بنص الدستور الذي لا يفرق بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات.

ركزت في البداية على التواصل مع الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين. جالت شوارع العاصمة، ولم تنس القرى والمخيمات، لتكتشف أن هناك الآلاف منهن. كن مثلها، لم يتكلمن عن التمييز الذي حرم أبناءهن الجنسية الأردنية، وبالتالي حقوقهن الأساسية المتمثلة بالصحة والتعليم والعمل. بعدها صار لديها قاعدة بيانات ضخمة، وحثتهن على الثورة.
عام 2009، نظمت الحباشنة الاعتصام الأول لحملتها. يومها ضحك كثيرون، وقالوا إنها لن تستمر. كيف لامرأة أن تمشي عكس التيار، وتحارب المجتمع الذكوري المحصن بقوانين تدعم ذكوريته؟ مع الوقت أدركوا خطأهم. تتالت الاعتصامات وازداد المؤيدون.

كانت الحباشة أماً لخمسة أبناء، لكنّ أبناءها ازدادوا وأصبحوا 355 ألفاً و923. هؤلاء هم أبناء 88 ألفاً و983 أردنية متزوجات من غير أردنيين. كانت تعرفهم جيداً. لطالما كانت الحباشنة تقول: "خطوة نحو الهدف والمستقبل لنا". اتبعت استراتيجية خذ وطالب. لم ترفض ما حصلت عليه لكنها لم تقف عند هذا الحد أو اعتبرت الأمر نهائياً. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حققت الحباشنة نصف الحلم، عندما أقرت وزارة الداخلية مزايا خدماتية لأبناء الأردنيات، لم تسمها حقوقاً مدنية.

خلال الاعتصام الرابع والخمسين في الربع الأخير من العام الماضي، سقطت المناضلة مغشياً عليها، لتكتشف للمرة الأولى أنها مصابة بالسرطان. كان قد بدأ يفتك بجسدها منذ سنوات من دون أن تعرف، ومن دون أن يؤثر على نضالها.
وهي على سرير المستشفى، كانت تتابع تنفيذ الإجراءات الرسمية المتعلقة بمنح هذه المزايا لأبناء الأردنيات، أكثر من اكتراثها لعلاجها. وقالت لزوارها وزميلات النضال والمتضامنين إن "الجنسية هدفنا". ربما، مدّتها القضية التي ناضلت لأجلها بالقوة، فاختبأ المرض في جسدها طويلا.


المساهمون