يبدو المشهد صعباً معقداً حتى سوريالياً، فلا شك أن اتفاق أوسلو قد مات بعد فشله في تحقيق أهدافه الرئيسية وتجاوزه تجاهله المنهجي والمتعمد من قبل إسرائيل، من ناحية أخرى فإنه أنجب أو ترك آثاراً وتداعيات ما زالت حية وفاعلة مثل السلطة الفلسطينية والاتفاقات الاقتصادية الأمنية المنبثقة عنه بما في ذلك اتفاق باريس الاقتصاد والتنسيق الأمني، كما مجمل الوضع في الضفة الغربية وغزة الذي هو بالتأكيد نتاج أوسلو وترجمه له.
هدف إعلان مبادئ أوسلو إلى التوصل لاتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد فترة انتقالية لخمس سنوات يتم التفاوض فيها على قضايا الوضع النهائي الصعبة والشائكة، مثل القدس، اللاجئين، الحدود، الأمن والمياه، منذ انطلاق الإعلان على أساس مؤتمر مدريد، وقاعدة الأرض مقابل السلام، بدا مفهوماً ضمناً أن الهدف النهائي هو إقامة دولة فلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، كما كان يقال في الخطاب السياسي العربي الإقليمي، وحتى الدولي عند الحديث عن أوسلو وعملية التسوية بشكل عام.
مع نهاية الخمس سنوات في 1999 ومع سنة تمديد إضافية إلى صيف العام 2000 فشل اتفاق أوسلو في الوصول إلى هدفه أو أهدافه، انهارت مفاوضات كامب ديفيد الثانية، واندلعت الانتفاضة الثانية، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك أن إسرائيل لا تملك شريكاً تفاوضياً فلسطينياً، وأن الحل يتمثل في الانفصال الأحادي أو فك الارتباط ورسم الحدود من جانب واحد، وهو ما يتباهى به دائماً باعتباره العراب أو أول داع لفكرة الفصل المتناقضة مع أوسلو نصاً وروحاً.
رئيس الوزراء التالي أرئيل شارون، المعجب بباراك – كان يعتبره يمينياً متنكراً – اقتنع بالفكرة بعد سنتين فقط في السلطة، وبادر فعلاً إلى تنفيذ خطة فك الارتباط والانفصال الأحادي عن الفلسطينيين، ما مثل إعلاناً سياسياً إسرائيلياً صريحاً عن الخروج من أوسلو والذهاب إلى الخطوات الأحادية لفرض المصالح الإسرائيلية، أو إطار الحل النهائي المتوافق مع تلك المصالح.
رغم أن رئيس الوزراء التالي إيهود أولمرت بدأ عهده مع خطة فك الارتباط، إلا أنه عاد بعد أسر جلعاد شاليط لفكرة التفاوض الثنائي مع السلطة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي على أساس أوسلو والاتفاقات ذات الصلة. الخطة فشلت رغم الدعم الأميركي الواسع لها، وأدى الفشل إلى وصول نتنياهو للسلطة كي يواصل ما بدأه شارون وباراك من هدم لأسس أوسلو، ولكن دون فكرة الانفصال الأحادي أو فك الارتباط ورسم الحدود من جانب واحد.
في فترته الثانية تحديداً - جارى باراك أوباما شكلاً من حل الدولتين - عمل نتنياهو على التخلص وحتى دفن أوسلو نهائياً مع طرح شرط الدولة اليهودية التعجيزي لقتل أي احتمال للعودة للتفاوض، وإطلاق العنان للتمدد والتوسع الاستيطاني غير المسبوق مع فرض أمر واقع، بل وقائع جديدة تقتل حل الدولتين، تقضي حتى على أي أمل فيه، وبالتالي إمكانية التفاوض مرة أخرى مع السلطة الفلسطينية.
نتنياهو استغل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض ورغبته في التوصل إلى صفقة القرن من أجل إعلان سياسي رسمي ونهائي عن موت أوسلو عبر شطب قضايا الحل النهائي وإزاحتها عن الطاولة، ورفض حل الدولتين والبقاء مع حكم ذاتي بلدي موسع - شيء ما بين حكم ذاتي زائد ودولة ناقص - دون القدس، دون اللاجئين، ومع التبعية التامة لإسرائيل في كل المناحي السياسية والأمنية والاقتصادية.
مقابل هذه السياسة الإسرائيلية الممنهجة والحاسمة لجهة اعتبار أوسلو ميّتاً مع السعي لترتيبات دفن ملائمة، بدت النخبة، بل الطبقة السياسية الفلسطينية، عاجزة عن استخلاص العبر والمبادرة وكانت دائماً أسيرة للفعل والتوجهات الإسرائيلية.
بدا الأمر مع العجز عن التعاطي مع خطة فك الارتباط وفهم دلالتها السياسية، وحتى أهدافها في أحداث الفوضى والاقتتال الفلسطيني، ومن ثم فشل عملية أنابوليس والمفاوضات مع أولمرت في العام 2008 ووصول نتنياهو إلى السلطة 2009 الذي كان بحد ذاته إعلاناً سياسياِ إسرائيلياً عن الخروج من أوسلو واستحقاقاته.
فلسطينياً؛ أيضاً لم يتم الحسم باكراً والعمل لبلورة استراتيجية موحدة لمواجهة الواقع الراهن، أو بالأحرى واقع ما بعد أوسلو، ورغم أن المجلس المركزي تحدث منذ ثلاث سنوات ونصف على الأقل عن التخلص من تبعات أوسلو بما فيها اتفاق باريس الاقتصادي سيئ الصيت والتنسيق الأمني، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، والآن حتى في مواجهة محاولات شطب القضية الفلسطينية لا دلائل أو علامات على أداء سياسي مختلف من الطبقة نفسها، طبقة أوسلو؛ الانقسام والاقتتال والعجز عن مواجهة واقع الحال.
عموماً فإن ما نحن بصدده الآن من خطوات أميركية إسرائيلية منسقة لشطب قضايا الوضع النهائي أو ثوابت القضية الفلسطينية، يمكن اعتبارها بمثابة دفن نهائي لاتفاق أوسلو والتخلص من استحقاقاته بما في ذلك فكرة الدولة الفلسطينية نفسها، في مواجهة ذلك تبدو السوريالية حاضرة فلسطينياً عبر التمسك بكل تبعات وثمرات الاتفاق المرة بما في ذلك التفاهمات الاقتصادية والأمنية، بينما يتبدى التقصير الوطني الاستراتيجي في العجز عن بلورة خيارت وبدائل والاستفادة من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني وروح المقاومة والصمود المتجذرة لديه، والاستلاب إلى الواقع الحالي والانقسام والسعي لتحقيق مكاسب موضعية فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
هدف إعلان مبادئ أوسلو إلى التوصل لاتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد فترة انتقالية لخمس سنوات يتم التفاوض فيها على قضايا الوضع النهائي الصعبة والشائكة، مثل القدس، اللاجئين، الحدود، الأمن والمياه، منذ انطلاق الإعلان على أساس مؤتمر مدريد، وقاعدة الأرض مقابل السلام، بدا مفهوماً ضمناً أن الهدف النهائي هو إقامة دولة فلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، كما كان يقال في الخطاب السياسي العربي الإقليمي، وحتى الدولي عند الحديث عن أوسلو وعملية التسوية بشكل عام.
مع نهاية الخمس سنوات في 1999 ومع سنة تمديد إضافية إلى صيف العام 2000 فشل اتفاق أوسلو في الوصول إلى هدفه أو أهدافه، انهارت مفاوضات كامب ديفيد الثانية، واندلعت الانتفاضة الثانية، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك أن إسرائيل لا تملك شريكاً تفاوضياً فلسطينياً، وأن الحل يتمثل في الانفصال الأحادي أو فك الارتباط ورسم الحدود من جانب واحد، وهو ما يتباهى به دائماً باعتباره العراب أو أول داع لفكرة الفصل المتناقضة مع أوسلو نصاً وروحاً.
رئيس الوزراء التالي أرئيل شارون، المعجب بباراك – كان يعتبره يمينياً متنكراً – اقتنع بالفكرة بعد سنتين فقط في السلطة، وبادر فعلاً إلى تنفيذ خطة فك الارتباط والانفصال الأحادي عن الفلسطينيين، ما مثل إعلاناً سياسياً إسرائيلياً صريحاً عن الخروج من أوسلو والذهاب إلى الخطوات الأحادية لفرض المصالح الإسرائيلية، أو إطار الحل النهائي المتوافق مع تلك المصالح.
رغم أن رئيس الوزراء التالي إيهود أولمرت بدأ عهده مع خطة فك الارتباط، إلا أنه عاد بعد أسر جلعاد شاليط لفكرة التفاوض الثنائي مع السلطة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي على أساس أوسلو والاتفاقات ذات الصلة. الخطة فشلت رغم الدعم الأميركي الواسع لها، وأدى الفشل إلى وصول نتنياهو للسلطة كي يواصل ما بدأه شارون وباراك من هدم لأسس أوسلو، ولكن دون فكرة الانفصال الأحادي أو فك الارتباط ورسم الحدود من جانب واحد.
في فترته الثانية تحديداً - جارى باراك أوباما شكلاً من حل الدولتين - عمل نتنياهو على التخلص وحتى دفن أوسلو نهائياً مع طرح شرط الدولة اليهودية التعجيزي لقتل أي احتمال للعودة للتفاوض، وإطلاق العنان للتمدد والتوسع الاستيطاني غير المسبوق مع فرض أمر واقع، بل وقائع جديدة تقتل حل الدولتين، تقضي حتى على أي أمل فيه، وبالتالي إمكانية التفاوض مرة أخرى مع السلطة الفلسطينية.
نتنياهو استغل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض ورغبته في التوصل إلى صفقة القرن من أجل إعلان سياسي رسمي ونهائي عن موت أوسلو عبر شطب قضايا الحل النهائي وإزاحتها عن الطاولة، ورفض حل الدولتين والبقاء مع حكم ذاتي بلدي موسع - شيء ما بين حكم ذاتي زائد ودولة ناقص - دون القدس، دون اللاجئين، ومع التبعية التامة لإسرائيل في كل المناحي السياسية والأمنية والاقتصادية.
مقابل هذه السياسة الإسرائيلية الممنهجة والحاسمة لجهة اعتبار أوسلو ميّتاً مع السعي لترتيبات دفن ملائمة، بدت النخبة، بل الطبقة السياسية الفلسطينية، عاجزة عن استخلاص العبر والمبادرة وكانت دائماً أسيرة للفعل والتوجهات الإسرائيلية.
بدا الأمر مع العجز عن التعاطي مع خطة فك الارتباط وفهم دلالتها السياسية، وحتى أهدافها في أحداث الفوضى والاقتتال الفلسطيني، ومن ثم فشل عملية أنابوليس والمفاوضات مع أولمرت في العام 2008 ووصول نتنياهو إلى السلطة 2009 الذي كان بحد ذاته إعلاناً سياسياِ إسرائيلياً عن الخروج من أوسلو واستحقاقاته.
فلسطينياً؛ أيضاً لم يتم الحسم باكراً والعمل لبلورة استراتيجية موحدة لمواجهة الواقع الراهن، أو بالأحرى واقع ما بعد أوسلو، ورغم أن المجلس المركزي تحدث منذ ثلاث سنوات ونصف على الأقل عن التخلص من تبعات أوسلو بما فيها اتفاق باريس الاقتصادي سيئ الصيت والتنسيق الأمني، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، والآن حتى في مواجهة محاولات شطب القضية الفلسطينية لا دلائل أو علامات على أداء سياسي مختلف من الطبقة نفسها، طبقة أوسلو؛ الانقسام والاقتتال والعجز عن مواجهة واقع الحال.
عموماً فإن ما نحن بصدده الآن من خطوات أميركية إسرائيلية منسقة لشطب قضايا الوضع النهائي أو ثوابت القضية الفلسطينية، يمكن اعتبارها بمثابة دفن نهائي لاتفاق أوسلو والتخلص من استحقاقاته بما في ذلك فكرة الدولة الفلسطينية نفسها، في مواجهة ذلك تبدو السوريالية حاضرة فلسطينياً عبر التمسك بكل تبعات وثمرات الاتفاق المرة بما في ذلك التفاهمات الاقتصادية والأمنية، بينما يتبدى التقصير الوطني الاستراتيجي في العجز عن بلورة خيارت وبدائل والاستفادة من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني وروح المقاومة والصمود المتجذرة لديه، والاستلاب إلى الواقع الحالي والانقسام والسعي لتحقيق مكاسب موضعية فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة.