أوروبا... وجه آخر للفاشية

أوروبا... وجه آخر للفاشية

21 فبراير 2020
من موقع الجريمة في هاناو الألمانية أمس (لوكاس شولز/Getty)
+ الخط -

قبل أيام من جريمة هاناو الألمانية، فجر أمس الخميس، كشفت السلطات الأمنية في البلاد، بعد اختراقها وتوقيفها 12 شخصاً، بينهم شرطي، أنّ النازيين الجدد خططوا لهجمات إرهابية تطاول ساسة ومساجد ومهاجرين. لكن هذا الكشف على ما يبدو لم يوقف تنفيذ خلايا الإرهاب الفاشي مخططاتها، وتأثّر شبان بتحريض هذا الإرهاب.

والالتفات أكثر لخطر نازيي ألمانيا أخيراً (المُقدر عددهم بـ12 ألفاً)، والذي يشغل مستويات أمنية وسياسية أوروبية، يأتي على خلفية انتشار خلاياه كالفطر، متجنباً رادارات الأمن، التي ركزت كثيراً على "تطرف مسلمين"، ومن اعتبار فاشيي القارة للنازية الألمانية بمثابة "العراب" الأقوى، ومثلهم الأعلى فكرياً وتنظيمياً. كما يتجلى هذا الخطر في اختراق بعض هؤلاء لمؤسسات الدولة.

ومن بين مخاطر أخرى كثيرة، استلهام البعض تصرفاتهم من بيانات وعمليات إرهابية، بحجتي "تفوّق العرق الأبيض" و"مواجهة مؤامرة استبدالهم" بغير البيض، كمانيفست "إعلان الاستقلال الأوروبي-2083"، الذي صاغه سفاح أوسلو، أندرس بريفيك، مرتكب جريمة القتل الجامعي (73 قتيلاً) صيف 2011 في النرويج. وكذلك مانيفست "الاستبدال العظيم" لبرينتون تارانت، مرتكب هجوم كرايستشيرش في نيوزيلندا في مارس/آذار عام 2019، ما أدى لمقتل 51 شخصاً في الهجوم الذي استهدف جامعَين في المدينة، وكان دافعه الإيمان بـ"سيادة البيض" وكراهية الإسلام.

خلال السنوات الماضية، تسارعت جرأة معسكر التطرف القومي وحشده، لتسويق أفكاره الكريهة، عبر تحريضه وتخطيطه لعنف لا يستثني حتى ساسة أوروبيين، مع استهداف المنتمين لمعسكر اليسار بشكل خاص، بعد وصم هؤلاء بـ"الخيانة"، واتهامهم بـ"تسهيل غزو المهاجرين لأوروبا"، من اسكندينافيا إلى إسبانيا.

فأوروبا، في غمرة أزماتها الداخلية، واتساع الفجوة بين طبقات المجتمعات، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي ومستقبله، شهدت تراخياً في ضمان المواطنة من دون تمييز؛ ومن ذلك غضّ الطرف عن اعتقال أنظمة ديكتاتورية لمواطنيها من خلفيات إثنية أخرى، وقبول تحريض ساسة عرب ضدّ مسلمي القارة. من دون إغفال خطورة التطبيع مع تعابير عنصرية وتمييزية في البيانات السياسية اليومية، وليس فقط الانتخابية.

والقصة تتجاوز بند "حق حرية التعبير"، الذي يتسلّح به اليمين المتطرف في الدنمارك والسويد. فرئيس وزراء المجر مثلاً، فيكتور أوربان، ووزير الداخلية الإيطالي السابق، ماتيو سالفيني، وغيرهما في النمسا وألمانيا وهولندا، ظلوا يقدمون في خطاباتهم ما يشبه بيئة حاضنة لفكر شعبوي، مشرّعين الباب أمام تعصّب قومي مختلط بخطاب فاشي، يعتبر نفسه في مواجهة "مؤامرة على العرق الأبيض".

ألمانياً على سبيل المثال، ورث حزب "البديل من أجل ألمانيا" خطاب الكراهية الذي أسست له حركة "وطنيون أوروبيون ضدّ أسلمة الغرب" (بيغيدا)، ليترجمه في صناديق الاقتراع. ومثله يفعل حزب "بوكس" الإسباني، وأحزاب أخرى.

إذاً، الوجه الآخر لأوروبا، ومن خلال تمردٍ ملحوظ على الطبقة السياسية التقليدية، أصبح أكثر دموية وخطورة. فمخاطر أن يشكّل اختراق التطرف لأجهزة رسمية، وشيوع التمييز البنيوي، والتراخي مع إرهاب قومي متعصب، مقدمات لاستدعاء العنف لدى الطرف الآخر، الذي يشعر بكثير من التهميش. وهذا أمر لا يمكن إغماض العين عنه، وهو يصبّ في نهاية المطاف في نهر الفاشية الجارف، تحت شوارع أوروبا.