أوباما وانقلاب السيسي.. مجدّداً

أوباما وانقلاب السيسي.. مجدّداً

30 يوليو 2018
+ الخط -
لم تشتر الصحافات الأميركية والأوروبية، الوازنة، بضاعة عبد الفتاح السيسي لمّا سمّى ما فعله مساء 3 يوليو/ تموز 2013 "خريطة طريق" في مصر، بل أعطت ذلك الفعل اسمه البديهي، انقلابا عسكريا (اعتبر الروائي بهاء طاهر هوى الصحف السويسرية والفرنسية في هذا الأمر إخوانيا!). تماما كما تشكيلاتٌ مدنيةٌ في الولايات المتحدة وأوروبا، ناشطةٌ في موضوعتي الديمقراطية وحقوق الإنسان، لم ينطل عليها حضور محمد البرادعي وشيخ الأزهر وبابا الأقباط إعلان السيسي، ببدلته العسكرية، خريطته تلك، فرأت المشهد انقلابا عسكريا وحسب. أما الإدارة الأميركية والرئاسات في أوروبا، في تلك الغضون، فآثرت شيئا من الصمت، من دون ترحيبٍ ظاهرٍ بما جرى، مع إذاعة كلامٍ طفيفٍ، وتقليديٍّ ركيك، عن وجوب احترام الخيار الديمقراطي. 

مناسبة استدعاء هذا المقطع من الوقائع المصرية في صيف 2013 أن صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا، قبل أيام، لمدير مكتبها السابق في القاهرة، ديفيد كيركباتريك، أضاء على مداولات مطبخ القرار في واشنطن، بشأن التعامل مع التطورات التي تلاحقت في مصر، قبيل انقلاب السيسي وفي أثنائه وبعده. والواضح من مطالعة ما أحاط به الصحافي، العليم بما يكتب عنه، أن الرئيس باراك أوباما، (بشخصه فقط) لم يكن متحمّسا لإزاحة الجيش المصري الرئيس محمد مرسي، وكان أميلَ إلى معالجة التأزّم الحادث في القاهرة بكيفيةٍ أخرى، فيما كان جنرالات الجيش الأميركي، ومنهم وزير الدفاع الحالي، جيمس ماتيس، يحبّذون إزاحة مرسي، ولو بتدخل من العسكر، إذا اقتضى الحال، وقد يعود تحبيذهم هذا إلى اتصالاتٍ بهم أجراها قادةٌ في الجيش المصري، تذمّروا فيها من مرسي (من وجوده رئيسا فحسب؟)، فيما بدت الخارجية الأميركية حائرة بعض الشيء، فمع قناعة الوزير جون كيري بأن مرسي مغفلٌ كبير، إلا أنه، وأركان الوزارة، لم يحسموا وجهةً واضحةً تنتصر لانقلاب عسكري أو تعارضه. وقد يعود جانب من حالهم هذا إلى تشوّش المعلومات الوافدة إليهم من السفارة الأميركية في القاهرة في حينه. وفي الأثناء، كان تحريض الرياض وأبوظبي في واشنطن على حكم الإخوان المسلمين مهولا، وكانت مطالباتهما من الإدارة الأميركية أن تفعل شيئا يزيحهم كثيرةً جدا (اعتبار هذه المطالبات ضغوطا غير دقيق). أما في مصر نفسها، فكانت الأوضاع تتدحرج إلى أن طبخ وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، صيغة إزاحة مرسي، بعد تزبيط مسيرات 30 يونيو (كان بين المشاركين فيها من يعارضون مرسي من دون دفعٍ من أحد)، وبعد صياغة "خريطة الطريق" إياها. وهنا، اختار الرئيس أوباما ألا يتخذ أي قرارٍ بشأن عزل مرسي، سواء لاعتبار ما جرى انقلاباً أم لا، لينتهي فعلياً بقبول ما جرى، كما كتب كيركباتريك، في توصيفٍ شديد الدقّة.
ليس وحدَه وضعُ المصالح فوق كل اعتبار عند صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة (وكذا الغرب الديمقراطي) هو ما ينكشف مجدّدا في موقف إدارة أوباما بشأن الانقلاب في مصر، كما استعرض كيركباتريك قنوات صياغة هذا القرار ومساراتها، وإنما أيضا أن هذا الرئيس (أوباما)، والذي بدا سمْتُه، في وقائع غير قليلة، أقربَ إلى ناشطٍ ثقافي منه إلى رئيس أقوى دولة، وبين يديه صلاحياتٌ كبرى، لم يكن في وسعه أن يؤثّر كثيرا في أداء المؤسسة الحاكمة في غير موضوعٍ وقضية، كما دلّت ممارستُه بشأن فعلة عبد الفتاح السيسي، أو على الأصح "لا ممارسته"، فالرجل كانت لديه حساسية أخلاقية وثقافية خاصة، جعلته، عن حقّ، مختلفا، عن أسلافٍ عديدين سبقوه في البيت الأبيض، غير أن سجيّته هذه بدت تعنيه وحدَه، طالما هو رئيس الولايات المتحدة، ولذلك، آثر الصمت والترقب والانتظار بشأن قصة مرسي والإخوان والجيش والسيسي (وآثر الصمم بشأن سورية؟). ولذلك، أيضا وأيضا، كسروا في الرياض وأبوظبي والقاهرة جرارا كثيرةً لمّا غادر الرئاسة، بل ولم تسع الدنيا أفراحهم، لمّا احتلّ البيت الأبيض نقيضٌ مضادٌّ تماما لأوباما، اسمه دونالد ترامب، وصنع التاريخ بحسب "الأهرام" القاهرية، لمّا هزم هيلاري كلينتون التي اعتبرها طبّالون معلومون في مصر "إخونجيةً".
قد يرى زملاءُ مقدّرون في فعلة أوباما الموضحة في تقرير "نيويورك تايمز" تواطؤا مع العسكر ضد الديمقراطية في مصر، لكن الأمر، في وجوهٍ أخرى له، ليس كذلك تماما.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.