أوباما واللغة الطائفية

06 أكتوبر 2014
+ الخط -

دعا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مرات، السنّة ليكونوا جزءاً من الحرب التي يشنها على تنظيم داعش. تكررت دعوته، أكثر من مرة في خطبه وتصريحاته، في حديثه عن داعش والعمل العسكري الذي يتوجب القيام به للقضاء عليه. وكما هو معلوم، فإن خطب رئيس الولايات المتحدة الأميركية وتصريحاته تكون مدروسة بعناية فائقة، ويقع اختيار كلماتها بدقة لتعبر عن مدلولات عديدة في وقت واحد.

فلماذا إذن يحث أوباما السنّة على المشاركة في الحرب على داعش؟ ألا تستبطن خطبه وتصريحاته اتهامات ملتوية للسنة بأنها تأوي عناصر داعش، وتشكل حاضنة لها، كما يتم ترويج ذلك كثيراً في وسائل إعلامية إقليمية ودولية؟
 
كلنا ندرك أن السنة هم ضحايا الإرهاب، يعانون منه، كما تعاني منه باقي الطوائف والمذاهب والقوميات الأخرى، في وطننا العربي. كلنا أبناء الوطن الواحد، وجميعنا في قارب واحد، وما يصيب أي طائفة منا ينعكس على الأخرى سلباً أو إيجاباً.

فلماذا التركيز على السنة وحدهم من أوباما، لجهة التأكيد على ضرورة مشاركتهم في الحرب على داعش؟ لماذا لا يُطلب من باقي الطوائف والمذاهب الأمر نفسه الذي يقع الإلحاح على طلبه من السنة، إن لم يكن الأمر يتعلق باتهام مبطن موجه لها بأنها تناصر هذا التنظيم الإرهابي؟

إذا جرى التسليم بهذا الاتهام، الموجه ضمناً للطائفة السنية، ووقع تبنيه بطرق ملتبسة، ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى اختلاط الحابل بالنابل، وأن تنمحي الحدود ويغيب الاحتراس ويحدث التعميم وتتحول الحرب على داعش إلى حربٍ على كل هذه الطائفة، بتهمة أنها تأوي هذا التنظيم الإرهابي، وتوفر له الملاذ الآمن؟
 
الأكيد أن معرفة الطيارين، الذين يكلفون بتنفيذ القصف ورمي القنابل والصواريخ، بساكنة المنطقة وعقليتها جدّ محدودة، إن لم تكن منعدمة، وعندما يتم تزويدهم بمعلومات مبتسرة، ويُرسلون لتنفيذ المهمات القتالية، طبقاً لمعطياتٍ لديهم عن السنّة، كونهم يحمون داعش ويتعاطفون معها، هل سيتردد الطيارون في قصف المواقع التي قد تبدو لهم مشبوهة، حتى إن تعلق الأمر بمدنيين أبرياء؟ ألم تقع مثل هذه الأحداث في أفغانستان واليمن والعراق؟

ثم، بأي منطق ينتقي الرئيس الأميركي طائفة من طوائف الوطن الواحد، ويوجه الخطاب لها بمفردها؟ يفترض في رئيس دولة محترم يقول إنه يريد محاربة التطرف والتعصب والإرهاب لنشر الحداثة والديمقراطية واحترام القانون، يفترض فيه احترام الخصوصية الوطنية لأي دولة، وألا يميز بين مكونات المجتمع بأي شكل.

للأسف، يقوم باراك أوباما بالعكس، يتجاوز حدوده ويتكلم معنا بلغة طائفية وعشائرية، بلغة ما قبل الدولة. يحدث ذلك في اللحظة التي يحثنا فيها لنكون إلى جانبه في مواجهة داعش. بتصرفه هذا، يعمق الشرخ الطائفي في مجتمعنا ويقويه، وقد يفاقم بذلك موجة الإرهاب الذي يحاربه، والذي اجتاح منطقتنا وأغرقها في الفوضى الشاملة، عقب الغزو الأميركي للعراق بذرائع تبيّن لاحقاً أنها كانت كلها كاذبة.

avata
avata
عبد السلام بنعيسى (المغرب)
عبد السلام بنعيسى (المغرب)