أن تكونا مغترباً

أن تكونا مغترباً

01 فبراير 2018
+ الخط -
في فبراير/ شباط 2015، كانت بداية رحلتي في تحدّ جديد خارج أراضي الوطن، في صراع البحث عن مال يساعدني في تأمين مستقبلي والوفاء بالتزامات الزواج التي كنت قد قطعتها على نفسي قبل هذا التاريخ بما يقارب ستة أشهر.

حلم كثير من أبناء جيلي من الباحثين لتأمين مستقبلهم هو الاغتراب خارج قواعد الوطن، الذي أصبح بيئة طاردة لأي كفاءة أو فرد يرغب في إثبات ذاته.

أن تكون مغترباً، عزيزي الحالم، لا يعني بالضرورة أنك قد أصبحت على طريق الأموال، ولكن اعلم أنك اخترت أن تضحي بالكثير من متع الدنيا في سبيل المال، اخترت أن تضحي براحة البال والاستقرار في سبيل تحقيق ذاتك وحلمك..


الكل ينظر إليك في وطنك على أنك ستعود بعد وقت قليل قائداً أفخم أنواع السيارات وأحدثها، بل سيتطرق الأمر إلى أن ينظر الجميع لك على أنك خرجت من البقعة المريرة إلى الراحة، حيث المال الوفير الذي يرى فيه الكثير منا الحل لكثير من المشاكل الموجودة في الدنيا..

اعلم، عزيزي الباحث عن الاغتراب، أنك ستجد هنا حياة لا يوجد بها إلا العمل والعمل فقط، أنت اخترت أن تقايض وقتك وخبرتك مقابل المال، فلا يحق لك الشكوى بأنك تفقد روحك شيئاً فشيئاً لأنك تقضي وقتك كله في العمل..

عليك أيضاً أن تعلم أنك قد ترى أعز الناس إلى قلبك لآخر مرة أثناء وداعهم لك، فقد يحل الأجل وأنت خارج حدود الوطن ولا يسعفك الوقت والمال لكي تلقي عليهم نظرة الوداع وتشارك في تشييعهم..

نعم، قد يمكنك الاغتراب من صناعة الكثير من المال الذي ترغب فيه ولكنك بعد مرور الوقت ستكتشف أن خسارتك أكبر بكثير من المال الذي قمت باكتسابه..

ما فائدة المال عندما تخسر متعة رؤية أبنائك وهم ينمون وتتطور مهاراتهم أمام عينك؟! بمرور الوقت، ستجد أنك أصبحت مجرد ماكينة تمدهم بالمال فقط، بل وقد يصل الأمر إلى حالة من الجفاء تنتهي بأن يتمنوا أن يأتي اليوم الذي ستنتهي فيه إجازتك لتذهب وتتركهم يعيشون حياتهم كما اعتادوا..

أردت فقط من كل ما سبق أن أضعك أمام بعض ما يمكن أن تراه في رحلة اغترابك حتى تتمكن من دراسة موقفك بصورة أوضح، ولكي تعلم ما الذي ترغب في أن تقبل عليه..

لم أجد من يحدثني عن مساوئ الاغتراب بقدر ما وجدت أناسا كثرا يتحدثون عما سأتمكن من جمعه من أموال، إلا أنني، وبعد أن توفي أبي ولم أستطع تشييعه بسبب غربتي، تمنيت أن يعود بي الزمن للخلف لكي أقول لهم استقيموا يرحمكم الله..
23D6ED82-8CBA-48E7-B791-8C058DDB6517
عمرو علاء الدين

مهندس... أعمل مدير مشاريع في شركة مقاولات، من عشاق القراءة، تحديدا التاريخ لما له من قدرة على إخباري بما سيكون عليه المستقبل.يقول: ولست بعلام الغيوب ولكنى أرى بلحاظ الرأي ما هو واقع.