أن تبقى عازباً

أن تبقى عازباً

14 نوفمبر 2018

(عمران يونس)

+ الخط -
أن تبقى عازباً أفضل من أن تبقى في سجنٍ اسمه الزواج مدى الحياة، فسجن الزواج يصبح كذلك حين يكون الزواج فاشلا، أو الاختيار منذ البداية خاطئا. وحين يستحيل الفراق بسبب وجود الأبناء، أو خوفا من نظرة المجتمع للمرأة بأنها مطلقة، وللرجل بأنه فاشل، تصبح حياة العزوبية أفضل بكثير. ولأن العودة إلى حياة العزوبيّة من المستحيلات، فإن التغنّي بمحاسنها دفع شركة صينية إلى استغلالها، وتخصيص يوم خاصٍ بها، يشتري فيه العزّاب الهدايا من شركة "علي بابا" لأنفسهم. ولم تفكّر الشركة الصينية، التي فكرت بزيادة مبيعاتها، بحجم ما جنته، حين اكتشفنا الأعداد الكبيرة من العزّاب في العالم الذين يتظاهرون بالسعادة، والعزّاب الذين يتمنون الزواج في البلاد الفقيرة، لكن الظروف لا تساعدهم، فقد وضعتنا أمام حقائق نتعامى عنها.
أن تبقى عازباً يعني أن تعيش حياة أفضل، وأن تكون حياتك أكثر توثيقا، وأن تحظى بحياةٍ مميزةٍ ذات هدفٍ إلى أقصى درجة، هذا ما توصلت إليه البروفسيرة الأميركية، بيلا ديباولو، وهي أستاذة في جامعة كاليفورنيا، حيث خلصت إلى هذه النتيجة التي اقتنعت بها شخصيا، وطبقتها بعد اطلاعها على أكثر من ثمانمائة دراسة أكاديمية، نفذت على مدى الثلاثين عاما الأخيرة. وملخص هذه الدراسات جميعا، وباختصار: الشخص المتزوج يصبح شخصا منعزلا؛ لأنه ينشغل بمشكلاته وبحياته الخاصة، فيما تتيح العزوبية للشخص الاهتمام بالآخرين، وتجعل الإنسان يسأل نفسه السؤال المهم "كيف أستطيع أن أتطوّر؟"، والمعتقد أن المتزوج لا يستطيع أن يسأل نفسه هذا السؤال؛ لأنه دائما يكون محاطا بالمشاعر السلبية من الشركاء المحيطين به، سواء الزوجة أم الأبناء.
يوم عالمي للعزاب اختارته بعناية شركة ذكية، لم يكن هدفها سوى زيادة مبيعاتها، لتكتشف أن هذا اليوم قد استقطب العزّاب في العالم، وليس في الصين وحدها، فيوم الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، يحتوي على رقم واحد مكرّر، للتعبير عن الوحدة الشديدة. ولكن ما لوحظ في مواقع التواصل الاجتماعي أن آلاف المغرّدين قد تفاعلوا مع هاشتاغ "اليوم العالمي للعزّاب"، معربين عن سعادتهم بعزوبيتهم، وقد تناقلوا العبارة نفسها التي توصلت إليها البروفسورة الأميركية، بعد دراسة سنوات طويلة، وهي: "أنْ يفوتك قطار الزواج أفضل من أن يدهسك".
الغريب والجميل في حياة المتزوجين الذين دهسهم قطار الزواج أنهم قد نسوا كيف كانوا، يوم أن كانوا يعيشون العزوبيّة. وفي ذلك مأساة، فالقطار الذي دهسهم لم يترك لهم فرصة التشبث بذكرى جميلة عن حياةٍ لم يكونوا يعيشون فيها إلا لأنفسهم، والمدافعون عن الزواج وفضائله. وبعد دراسات طويلة، بيّنوا أن الزواج قد تكون له منفعة كبيرة، حين يمرض الإنسان فهو لن يموت وحيدا، وسيجد من يغلق له عينيه للمرة الأخيرة. وفي هذا الصدد، اكتشف أطباء القلب أن العزاب يتعرّضون للنوبات القلبية، ويموتون بسببها، أكثر من المتزوجين، لكن المطلقين يموتون بنسبة أكبر، لأنهم جرّبوا الحياتين، العزوبيّة والزواج، وفشلوا بالطبع في الاستمرار في واحدةٍ منهما.
قد يبدو الحديث السابق كله غير منطبق على عالمنا، حيث يتساءل الجميع من حولك: متى سنفرح بك؟ ويتهامس الجميع عن سبب تأخر زواجك؟ فيما يحتفلون بالمتزوجين في حفلاتٍ باذخة، ولا يسألون عن أحوالهم بعد سنوات قليلة من دخول القفص الذهبي، أو الفضي، أو الصدئ، ففي وسع كل إنسان أن يحدّد نوع القفص الذي دخله، لكنه قفص على كل حال، غير أن الأعداد المهولة للعزّاب في مصر مثلا كأكبر دولة عربية من ناحية عدد السكان (حوالي 13 مليون أعزب)، تدفعك إلى التساؤل: هل اكتشف هؤلاء جميعا محاسن وفضائل البقاء في العزوبية، أم أن أكثرهم قد اكتشفوا أنهم لا يصلحون للزواج، أم أن تسجيل الزوجات المصريات رقما قياسيا بأنهن الأعلى في العالم في ضربهن الأزواج جعل هؤلاء العزّاب يقفون في صف الناجين من الضرب، مع اعترافهم المؤكد بأن الزواج سنّة الحياة؟
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.