Skip to main content
أنصار المقاومة وخيانة الربيع العربي
كريم مجدي
أفعال حزب الله ليست نابعة عن رؤية أخلاقية مبدأية(أ.ف.ب)

بعد التسريب الأخير الذي ثبت فيه وجود نوع من التواصل بين الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وبين جماعة الحوثيين، اتسعت الفجوة مرة أخرى بين أنصار الربيع العربي وأنصار "المقاومة".

ففي الوقت الذي كان يكرر فيه الحوثيون بأنهم كانوا جزءا أصيلا من الثورة اليمنية، وأنهم نادوا بنفس مطالب الشعب اليمني من حرية وعدل وكرامة، يأتي التسريب الأخير ليقوض صحة هذه الادعاءات وليكذب صحة نوايا الحوثيين وليكشف عن وجود تعاون خفي بين الرئيس الفاسد السابق وبينهم، والتي يصفها البعض بمثابة خيانة لهذه الثورة.

وفي ظل رفع الحوثيين لشعارهم "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، لا أعلم هل تناسى الحوثيون دعم الدول الموالية لأميركا وإسرائيل لعلي عبد الله صالح في قتاله ضدهم خلال الحروب الست، أم هي المصلحة والمشروع السياسي الضيق الذي دفعهم إلى العمل في الخفاء مع رأس هذا النظام الفاسد.

خلال الفترة الأخيرة تحاورت مع العديد من أنصار تيار "المقاومة والممانعة"، والذي يعد الحوثيون جزءاً منه، وتجادلت مع هؤلاء كثيراً حول تصعيد الحوثيين الآخير، وهل لهم الحق في ذلك أم لا، وكان المبرر لدى هؤلاء دائماً أن هذه الأفعال تنضوي تحت مشروع "المقاومة والممانعة".

لكن أي مقاومة هذه؟! أهي المقاومة التي باسمها يتم التحالف مع قيادات الثورة المضادة كما حدث في اليمن، أم هي المقاومة التي يتم باسمها تجاوز مطالب وحق الشعب السوري في الحياة، ويتم الإبقاء فيها على رئيس تسبب في هلاك الآلاف وتشريد الملايين لينتشروا في جميع أنحاء العالم، في نكبة تعد خسائرها أعظم من خسائر الشعب الفلسطيني في مواجهاته مع الكيان الصهيوني.

ويبدو أيضاً أن ترتيب سلم الأولويات بين الفريقين، يعد عقبة يصعب تجاوزها، فأنصار ثورات الربيع العربي يبحثون في المقام الأول عن الحرية والديقراطية والكرامة، بينما الفريق الآخر يريد تجاوز كل هذه المطالب والقفز مباشرة إلى مشروع المقاومة الذي ظهرت معظم ملامحه مع مرور الوقت، وهذا المشروع في صورته الحالية لا يرى أي غضاضة في إخضاع الشعوب وتقييد حريتها في الاختيار وتنصيب المجرمين عليها ما دام ذلك يصب في صالح قضية التحرر، والتي في سبيلها يتم استباحة كل شيء كما نرى.

والمتتبع لتيار "المقاومة والممانعة" هذا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي بقيام الثورة التونسية مروراً بالثورة المصرية والسورية حتى وقوع انقلاب 3 يوليو، يرى براغماتية شديدة في التعامل مع الأمر مما يشكك في نوايا هذا التيار وأن أفعاله ليست نابعة عن رؤية أخلاقية مبدأية، بل نابعة عن رؤية حزبية طائفية ضيقة، فعلى سبيل المثال رحب حزب الله بهذه الثورات الشعبية خصوصاً مع وجود عداوة سابقة له مع الأنظمة العربية البائدة، كنظام مبارك الذي اتهمه حسن نصر الله سابقاً في 2009 بالتواطؤ مع إسرائيل، أو ترحيبه بالثورة التونسية، لكن عندما دقت الثورة أبواب سورية، تم اعتبارها أنها مؤامرة أميركية صهيونية عالمية تستهدف نظام المقاومة والممانعة (استخدمت فيها تقنيات عالية لإخراج آلاف الفيديوهات المزيفة لإدانة النظام السوري)، بل توترت العلاقات مع حركة حماس (التي تعد عنصراً هاماً في مشروع المقاومة الحقيقي)، بعد رفضها لما ارتكبه النظام السوري، ولا يزال حزب الله يدعم النظام السوري بكل ما أوتي من قوة، مخالفاً في ذلك أبسط المبادئ الأخلاقية والشعارات الدينية التي يرفعها بصفته حركة إسلامية، في حين كان من الممكن إيجاد بدائل تحافظ على مشروع المقاومة والممانعة بجانب حقن دماء الشعب السوري، لكن لا يزال حزب الله واقفاً بكل قوة بجانب النظام السوري، لأسباب بالطبع لا تقتصر على مشروع المقاومة فقط، فمن لا يرى وجود أهداف أخرى، عليه إعادة النظر.

إن كلامنا هذا ليس معناه أننا لسنا مع المقاومة، فنحن معها قلباً وقالباً، ولكننا في هذا لا نسلك طريق المجرمين، بالإضافة إلى مراعاتنا سلم الأولويات ومتطلبات وظروف المرحلة، فلا تحسب أن هذه الشعوب المقهورة المقيدة المحجر عليها والتي تفتقد معاني الحرية والكرامة، تستطيع أن تقدم هذه القيم لمن هم مثلها، ففاقد الشيء لا يعطيه.