تجاوزت شاشات "محللي" الممانعة، وسواهم من أنظمة، ومليشيات تشبههم، كل المعقول، في الاستهتار بالعقول، تركيزاً على واقعة "إنجيل ترامب"، وتفضيلاً لـ"أناجيل" حكام "مدن الملح" العربية. ففتح بازار المفاضلة المُتخيلة، بسرد سيرة العنصرية (جندرية وطائفية وطبقية ولوناً) والخنق حتى الموت، أو بالقلق في المقابل على مصير "أميركا ترامب"، ليس في مصلحة "فضائل" الجلاد العربي. وإبداء البعض منهم حرصه على الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان و"مستقبل أميركا" مثير للغثيان، خصوصاً أن الشارع العربي يدرك أهمية بقاء معسكري الترامبية والبوتينية في الحكم.
فالخوف من انفتاح أفق ثورة عالمية على العنصرية والأنظمة البوليسية، وتعرية محميات المعسكرين، محرك غريزي لأنظمة استدعاء الدين كمطية، منذ سنوات، لامتطاء رقاب الشعوب. وهو بالمناسبة استدعاء خلق تقاطعات بين "آيات" آلهة الحكم وجيرانهم، من محركي دمى تبعية امتيازات طائفية، واحتلال إسرائيلي، يهرول بخرافته نحو فصل عنصري قاتل. وربما يصيب من يعتقد أن الرئيس الشعبوي دونالد ترامب، يحسد جلادي منطقتنا، من ملقي البراميل المتفجرة، وصائدي الصحافيين، بتقطيعهم وحرقهم بالأسيد، ومرقمي جثث بشر رفضوا ترديد آية من إنجيل ربوبية بشار الأسد: قل إن ربك بشار. والأسد هنا مجرد مثال صارخ لأناجيل حكام كسروا أعناق ملايين العرب، من أشباه جورج فلويد، والحالمين كمارتن لوثر كينغ.
على كل، أميركا، هذه المرة، ليست أولوية الشارع العربي، كما البريطاني والألماني والفرنسي والبقية، إلا من زاوية رفض العنصرية والبوليسية. وقد حركت لدى بعضهم مشاعر دفينة، وأغرت سياسات الفرمانات، في زمن جائحة كورونا، رغبة باستدعاء نماذج حكم فاشية ودكتاتورية، لو استطاعوا. ببساطة، وبعيداً عن النفاق والتمويه، الإعلامي والسياسي، حد مهاجمة بعض معلقين عرب للأميركيين السود، ثمة حسرات في مدن الملح العربية، المحكومة بتهيؤات عنجهية القوة. حسرة أن للآخرين دساتير وقوانين تُقيد جنون السلطة. فللشارع القول الفصل، ليس بالتظاهر فحسب، بل في ميزة صناديق الاقتراع، في مسار ديمقراطي متكامل، حيث يُعاقب حكامه، ويَستبدلهم، ويُجبرهم على الجثو والاعتذار للضحايا. والميزة الأهم، أن صور وأصوات الخنق والقمع، تكشفها حرية الصحافة، كسلطة رابعة، تراقب كافة السلطات.
في مدننا، وبعيداً عن جلد ذاتي، فالواقع المعاش يتحدث عن نفسه، بنمطية وتعليب ممل، باستدعاء التخوين والعمالة، لتخفى الحقيقة ويُتلاعب بها، وليتحول الإعلام إلى بروباغندا تلاوة "آيات أناجيل ومصاحف" آلهة الحكم العربي، لاستدامة عبودية مقنعة، ولو رُهنت واختنقت واحترقت كل بلاد ملوك الطوائف.