تلف الأنابيب قد يؤدّي إلى انفجارات (العربي الجديد)
عندما يعمد أحد سكان نيويورك مستعيناً بمحترف أو هاوٍ، إلى فتح ثغرة في أحد أنابيب الغاز الطبيعي وسرقة المادة من أحد جيرانه أو من مطعم مجاور لتوفير المال، فهو لا يعرّض نفسه للخطر فحسب بل يهدّد سلامة منطقة بأكملها. هذا ما حصل في 26 مارس/آذار الماضي، وقد أدّى الانفجار في حي "إيست فيلج" في منطقة مانهاتن إلى مقتل شخصَين وجرح عشرات، بالإضافة إلى انهيار المبنى المؤلّف من ثلاث طبقات، وتضرر أبنية مجاورة وأضرار مادية أخرى. كذلك تسبّب الأمر في إغلاق بعض الشوارع المحيطة بالمكان لنحو أسبوعَين على التوالي، ما فاقم أزمة المرور الخانقة في المنطقة.
تشير التحقيقات الأولية إلى أن الانفجار وقع على أثر تسرّب غاز ناتج عن مدّ خط بشكل غير قانوني بعد سرقته من خط آخر. وكان الأمر نفسه قد حدث في هذا المبنى قبل سبعة أشهر، وقامت البلدية والجهات المعنية بحلّ المسألة.
وكانت نيويورك قد شهدت انهيار مبنى آخر قبل نحو عام، نتيجة تسرّب غاز ناجم عن تلف في أنابيب عمرها 127 عاماً. وقد أدى ذلك الانفجار إلى مقتل ثمانية أشخاص، وجرح 70 آخرين على أقل تقدير.
وتفيد دراسة نشرت في مجلة "العلوم البيئية والتكنولوجيا" بداية العام الجاري، بأنه في حين لا تخلّف تسربات الغاز عادة أضراراً جسيمة إذ إنه يتبخر، إلا أن بعضها يؤدي إلى انفجارات تحصد حياة 17 شخصاً (متوسّط) وتجرح العشرات سنوياً في الولايات المتحدة. وتصل قيمة الأضرار في الممتلكات وحدها نتيجة الانفجارات، إلى أكثر من 133 مليون دولار أميركي سنوياً. أما الخسائر المادية التي تنجم عن تسرّب الغاز من دون انفجار، فتكلف المواطن الأميركي نحو مليارَي دولار سنوياً، بحسب ما يوضح أستاذ علوم البيئة في جامعات ستانفورد ودوك روبرت جاكسون، وهو القيّم على الدراسة المذكورة آنفاً. تجدر الإشارة إلى أن الغاز الطبيعي يشكّل نحو 22% من مصادر الطاقة في الولايات المتحدة، بحسب المؤسسة الأميركية للبترول.
وتسلط هذه الحوادث الضوء على مشكلة كبيرة تواجهها البنى التحتية في الولايات المتحدة عموماً ونيويورك خصوصاً، بسبب قدمها وعدم استثمار حكومات الولايات والمدن والحكومة الفدرالية ما يكفي من الأموال لإصلاح وتحديث البنية التحتية القديمة. فعمر بعض أنابيب الغاز في نيويورك وأنابيب المجاري والمياه يصل إلى أكثر من 150 عاماً، بعضها لم يستبدل مذ وضعت للمرة الأولى، وإن كانت تخضع للصيانة.
ولا تعاني نيويورك وحدها من هذه المشاكل. فمدن مثل واشنطن وبوسطن تواجه التحديات نفسها. ويوضح هنا جاكسون أن تحسين البنى التحتية وخصوصاً أنابيب الغاز، يحتاج إلى سنين طويلة ومليارات الدولارات وسياسة حاسمة. فسكان مدينة نيويورك البالغ عددهم أكثر من ثمانية ملايين نسمة، يعيشون على أكثر من عشرة آلاف كيلومتر من الأنابيب التي تنقل الغاز الطبيعي وتتوزع تحت الأرض، بحسب الإحصائيات الرسمية لسلطات المدينة.
ويقدّر طول الأنابيب التي تنقل الغاز الطبيعي في جميع أنحاء الولايات المتحدة بأكثر من 480 ألف كيلومتر. ويصل متوسّط تسرّب الغاز فيها إلى 12 حالة لكل 160 كيلومتراً من الأنابيب. ويشير جاكسون إلى أن الأمان المتعلق بأنابيب الغاز أصبح اليوم أفضل مما كان قبل عشرين عاماً، لكن تكاليف استبدال الأنابيب والتعقيدات اللوجستية، خصوصاً في مدينة مثل نيويورك، تبطئ عمليات الاستبدال وتجعلها تقتصر غالباً على الأنابيب المتضررة، والتي تشكل خطراً راهناً.
ويبيّن جاكسون في دراسته أن استبدال نحو 1.6 كيلومتر من أنابيب الغاز في مدينة نيويورك يكلف بشكل متوسّط مليون دولار، لكنه يؤكد إمكانية استبدالها بمبالغ أقلّ بكثير، من خلال طرق يعتمدها المختصون أحياناً. في تلك الحالات، لا يقومون بتبديل الأنابيب بشكل كامل، وإنما يعمدون إلى وضع أنابيب بلاستيكية أصغر قطراً في داخلها. لكن هذه العملية لا يمكن اللجوء إليها في كل الحالات وفي كل الأماكن.
إلى ذلك، كان عمدة نيويورك بيل دي بلازيو قد خصّص مبلغ 300 مليون دولار إضافي، للعمل على استبدال جزء من الأنابيب القديمة والمتضررة، بالإضافة إلى مليارَي دولار كتكاليف تغيير جزء من أنابيب المياه والصرف الصحي والغاز المتضررة في السنوات الأربع المقبلة. وفي حين تساعد هذه المبالغ على حلّ جزء من المشكلة، إلا أن هذا النوع من الحلول هو مؤقت، ولا يتعامل مع المشكلة بصورة جذرية.