أم رائد صانعة أفران الطينة التي لا تعرف التعب

أم رائد صانعة أفران الطينة التي لا تعرف التعب

18 يناير 2016
أم رائد تصنع أحد أفرانها (محمد أبو يوسف)
+ الخط -
الأمان الذي تشعر به الحاجة مريم قديح المعروفة بـ "أم رائد"، ليس ذاك الذي صنعته تهدئة هشة، على حدود تفصلها بضع كيلومترات، حيث يتمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإنما هو صناعة يديها لأفران الطينة على مدار أكثر من 20 عاماً دون كلل. تلك الصناعة التي أعطتها استقراراً اقتصادياً على مدار هذه الأعوام.
تقول "أم رائد": "أعمل في صناعة الأفران، ويأتي الزبائن من جميع مناطق قطاع غزة، ليشتروا مني فرن الطينة، حتى كنت أوصل ما أنتجه إلى منطقة العريش المصرية، من خلال الأنفاق بين مصر وغزة، عندما تم استخدامها بشكل كبير في سنوات الحصار الشديد".

أم رائد في العقد السابع من العمر، تتمسك بهذه الصناعة، حتى بعدما أصيبت بأمراض الكبَر كالضغط، ولكنها تقول: "هذه الصناعة التي عشت من مدخولها كل أعوامي، أدين لها بالكثير، إذ حققت حلمي بالحج قبل أعوام، ولا يزال لدي حلم بأن أحج مرة أخرى".
على مسافة قريبة من الحدود الفاصلة في خزاعة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، تنصب أم رائد أفران الطينة، نحو 6 أفران قد انتهت من تجهيزها، وتنتظر بيعها، فيما تبدأ في صناعة فرن جديد بانتظار زبونه.
تقول أم رائد ويحيط بها أحفادها الصغار: "لم يكن هناك اهتمام بصناعة الأفران، كنت فقط أصنعها تسلية لبيتي، أو للصديقات والجيران، ولكن في السنوات الأخيرة العجاف، زاد الطلب كثيراً على هذه الأفران، المنطقة التي أسكنها معظم سكانها يستخدم هذه الأفران، بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وانقطاع الغاز المنزلي. إذ تلجأ النساء إلى إنضاج الخبز والطعام عبر هذه الأفران التي لا تكلفهن سوى بعض الأخشاب، وهذه متوفرة بسبب وجود الأشجار في المنطقة الزراعية".
ثمة سبب آخر لانتشار هذا النوع من الأفران وفق ابنها، هاني قديح: "لا يوجد أطيب من خبز فرن الطينة، له طعم ونكهة مختلفة لا يضاهيه فيها أي خبز على الإطلاق". تتذكر أم رائد: "قبل أعوام طويلة، كانت الناس لا تعرف إلا هذه الأفران، كنا نخبز ونطبخ جميع طعامنا عليها، قبل أن نعرف الأفران الحديثة التي تعمل على الغاز".
تشرح أم رائد وهي تغلف أحد الأفران بالنايلون لحمايته من المطر: "صناعة الفرن الواحد تتطلب ثلاثة أيام في الشتاء، كي يجهز، ويصبح صالحاً للاستخدام، أما في الصيف فتكون المدة الزمنية يومين أو أقل. ويمكنني في الشهر إنتاج 20 فرناً في حال كان هناك طلب كبير عليها".
تصنع أم رائد فرن الطينة، بأحجام مختلفة حسب طلب الزبائن، ويبلغ سعر الفرن الواحد ما يعادل 30 دولاراً أميركياً، ويرتفع سعره حسب ارتفاع أسعار الأسمنت بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث إن للفرن قاعدة دائرية من الأسمنت والحديد.
بخفة فتاة في العشرين، رغم انحناء ظهرها، تقوم أم رائد بصناعة فرن جديد من الطينة، فتسكب الماء على طين خاص لصناعة الأفران، وتمزجه بـ "التبن"، حسب الحاجة. تقول: "تحتاج صناعة هذه الأفران إلى طينة خاصة من الطوب الأحمر، يتم جلبه من الطين الذي نستخرجه من حفر الآبار العميقة، وهي أكثر تماسكاً، يتم إضافة "التبن" لها كي تتماسك أكثر".

ترتدي أم رائد لباساً قديماً للمرأة الريفية في قطاع غزة، وهو ما يعرف بـ "الداير والقونعة"، ينحصر اليوم فقط في لباس الكبيرات من جيلها أو أقل قليلاً، تقول: "بعد عدوان 2014، خسرت 18 فرناً كان معداً للبيع، تهدّمت في الحرب بسبب القصف الإسرائيلي لخزاعة، وكنت صنعتها لزبائني، لكني استطعت تعويض هذه الخسارة".
وتضيف: "أصبح هناك طلب كبير على هذا النوع من الأفران بعد العدوان، لأن الاحتلال دمر بيوت الناس في المنطقة، وبينها الأفران الحديثة، وتزامن ذلك مع ارتفاع حدة التقنين في الكهرباء".
تؤكد أم رائد أنها ستتمسك بصناعتها، ليس لأن أحداً من أبنائها يرفض أن يتعلمها، أو حتى زوجاتهم صغيرات العمر، ولكن لأنها تحب عملها، وتحب نحت الأفران التي أمنت لها مدخولاً جيداً ساعدها على الحياة والاستمرار وتربية أولادها، وتؤكد أنها تحب صناعتها كما تحب الاهتمام بأغنامها التي تربيها منذ فترة طويلة.

اقرأ أيضاً: "أبو زور" من موزع شيبسي إلى صاحب شركة

دلالات

المساهمون