أمينة كوليبالي: أزمة كورونا تفرض عقداً اجتماعياً جديداً في المنطقة

أمينة كوليبالي: أزمة كورونا تفرض عقداً اجتماعياً جديداً في المنطقة

11 اغسطس 2020
أمينة كوليبالي
+ الخط -

 

قالت أمينة كوليبالي، الاقتصادية الرئيسية بدائرة الاقتصاد الشامل في البنك الدولي، لـ"العربي الجديد"، إن تداعيات الجائحة على المنطقة العربية تتطلب من الدول تنويع اقتصادها وتفرض على الجميع عقداً اجتماعياً جديداً. وفيما يلي نص المقابلة:

- كيف تشخصون في البنك الدولي تأثيرات الجائحة على اقتصاديات المنطقة العربية؟
تواجه اقتصاديات المنطقة صدمات متزامنة، خاصة انخفاض الطلب الداخلي والخارجي، وتراجع أسعار النفط، وتقلص المبادلات، وتوقف الإنتاج، وتراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتشديد الشروط المالية. وقد أفضت شروط الحجر المطبقة، وكذلك اضطراب سلسلة التوريد العالمية، إلى إضعاف النشاط بشكل قوي في المنطقة. وحسب توقعات البنك الدولي، فإن النشاط الاقتصادي سينكمش بنسبة 4.2 في المائة في المنطقة.
لقد لاحظنا كيف تضرر بشكل قوي قطاع السياحة الذي يعتبر دعامة اقتصادية مهمة لاقتصاديات المنطقة. وتضررت البلدان المصدرة للنفط من انخفاض أسعاره مع تأثيرات سلبية على الإيرادات الجبائية والقطاعات غير النفطية. هذه التحديات تفاقمها العديد من المشاكل البنيوية التي تعرفها أغلب بلدان المنطقة.

- تحدثتم عن السياحة وعدة قطاعات أخرى، لكن كيف ستؤثر الجائحة على تحويلات الأموال المتأتية من المغتربين نحو المنطقة؟
ينتظر أن تؤثر الوضعية العالمية الناجمة عن كوفيد 19، على تحويلات الأموال في اتجاه المنطقة، خاصة تلك الآتية من أوروبا وبلدان الخليج. فقد استقبلت المنطقة في 2018 تحويلات مالية في حدود 62 مليار دولار.

ونتيجة الأزمة، تتوقع تقديرات البنك الدولي أن تنخفض في العام الحالي بنسبة 19.6 في المائة، كي تستقر في حدود 42 مليار دولار. وتأتي مصر ولبنان ضمن بلدان المنطقة الأكثر تضررا من انخفاض التحويلات بسبب كوفيد 19. فمصر تعتبر خامس وجهة عالمية لتحويلات المغتربين، حيث وصلت في العام الماضي إلى 26.8 مليار دولار، إذ تمثل حوالي 10 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وسيؤثر انخفاض التحويلات على استهلاك الأسر.

- كيف تقيمون في البنك الدولي التدابير التي اتخذتها حكومات المنطقة من أجل تخفيف الآثار الاقتصادية للأزمة خلال فترة الحجر الصحي؟
لقد بادرت حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسرعة إلى اتخاذ العديد من التدابير لمعالجة الوضع. فمن أجل كبح الجائحة، سنت تدابير الحجر، خاصة عبر تقييد الأسفار مع استثناءات بالنسبة لتجارة السلع، وكذلك إغلاق المدارس والمصانع والمتاجر وإغلاق الحدود. وأغلقت أماكن العبادة واعتمدت العديد من البلدان قوانين الطوارئ بهدف فرض تدابير الحجر لعموم الناس. وبذلت جهود من أجل دعم البنيات التحتية الأساسية، مثل خدمات الصحة وموردي السلع الأساسية، بهدف تخفيف آثار الأزمة على المدى القصير وتشجيع ديمومتها على المدى الطويل.

- لكن ماذا عن الشق الاقتصادي؟
اتخذت أغلب اقتصاديات المنطقة، بسرعة، تدابير بهدف التخفيف من تداعيات الأزمة. لقد قدمت دعما قطاعيا خاصا بغية حماية الآلة الإنتاجية، بما في ذلك عبر تدابير جبائية ومالية من أجل تخفيف الضغط عن الشركات ودعم الأنشطة الاقتصادية. واعتمدت العديد من البلدان سلسلة من التدابير، خاصة عبر دعم الأجراء والأسر وتأجيل سداد الضرائب وغيرها. وقدمت دعما ماليا من قبيل ضمان القروض أو منح قروض مباشرة.

- ما هي أهم الدورس التي يفترض بالمنطقة استخلاصها من الجائحة؟
تمنح الأزمة فرصة من أجل الانخراط في برنامج إصلاح شامل ومعالجة بعض المشاكل البنيوية الكامنة في المنطقة، من قبيل تلك المرتبطة باللامركزية، وتطوير القطاع الخاص والحماية الاجتماعية. سيكون لازما، بعد انصرام فترة التدخل الاستعجالي، وضع عقد اجتماعي جديد، يبدأ ذلك بشفافية أكبر، بما يساعد على ضمان مستقبل مزدهر للمنطقة.

ويفترض في العقد الاجتماعي الجديد، كذلك، أن يفضي إلى تشجيع التنافسية في القطاع الخاص عوض الاستناد إلى الدولة كمصدر أساسي لتوفير فرص العمل، كما يستدعي مثل ذلك العقد التخلي التدريجي عن دعم مواد الاستهلاك الأساسية، مع تبني نظام لتحويل المساعدات للفئات الأكثر فقرا.

- ما هي التحديات التي تواجهها حكومات المنطقة في مرحلة الإنعاش الاقتصادي؟
يتعلق التحدي الرئيسي بعدم اليقين والمدة التي ستستغرقها الأزمة المرتبطة بالاكتشاف المحتمل للقاح أو بالعكس بغياب علاج فعال أو لقاح ضد كوفيد 19. إذا طال أمد الأزمة، ستكون الآفاق الاقتصادية العالمية أكثر كارثية مع تأثيرات سلبية على النشاط الاقتصادي لبلدان المنطقة وتداعيات ضارة على أرصدة الموازنة والحسابات الخارجية لهذه البلدان.

- أكد مراقبون بعد انتشار الجائحة على ضعف الحماية الاجتماعية بالمنطقة خلال الأزمة. كيف تقيمون هذا الأمر؟
ستفاقم الجائحة بطريقة متباينة وضعية المجموعات الفقيرة والهشة، التي لا تتوفر على القدرة نفسها لمواجهة الأزمة. لقد وضعت بلدان المنطقة برامج حماية اجتماعية مختلقة. ورغم اختلاف تطور الأنظمة الخاصة من أجل توفير خدمات للفقراء والأشخاص الذين يعانون من الهشاشة، فإنه يمكن استعمالها في التدخلات المستعجلة والإنعاش، وتعزيزها في الجهود المستقبلية لزيادة قدراتها. ويجب أن نشير إلى أن بلدان المنطقة تخصص إيرادات عمومية مهمة لشبكات الأمان الاجتماعي، غير أن أغلب النفقات تخصص للدعم العام، خاصة في البلدان المصدرة للنفط، ما يشكل عامل إزاحة للإيرادات التي يمكن أن تخصص لشبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة.

- مع ذلك لاحظنا في الأعوام الأخيرة سعي بلدان في المنطقة إلى بلورة عناصر شبكات أمان تستهدف فئات بعينها. كيف تنظرون إلى المقاربة المعتمدة؟
شبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة لها تغطية ضعيفة نسبيا للفقراء، حيث لا تتعدى ثلث الأشخاص الموجودين في الخمس الأدنى، أي ما يمثل نصف المتوسط العالمي. مع ذلك وضعت العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أخيرا، بعض العناصر الأساسية المشكلة لنظام الحماية الاجتماعية، من قبيل أنظمة تحديد المستهدفين، وآليات الاستهداف، والسجلات، وتدبير الحالات، وأطر للتتبع والتقييم، غير أن تلك الأنظمة توجد في بداياتها، كما أن فعاليتها تكبح بفعل عدم الكفاية.
ويمكن للبرامج والأنظمة الاجتماعية الحالية أن تقوى على المدى المتوسط بهدف ضمان الفعالية والنجاعة للجهود المستقبلية الرامية إلى زيادة قدراتها.

- كيف تدخل البنك الدولي من أجل المساعدة على التعاطي مع أزمة كوفيد 19 في المنطقة؟
التدخل الأولي للبنك الدولي بعد جائحة كوفيد 19 كان متعددا. وإحدى الوظائف الرئيسية للبنك تمثلت في خلق ونشر المعرفة في مجال التنمية. وبالنظر لحجم وسرعة وجدة أزمة الجائحة، كان الطلب على التحليل والمشورة قوياً جداً من قبل بلدان المنطقة وبقية دول العالم. وكان هناك دعم آخر من قبل البنك، متمثل في تمويل مشاريع استعجالية في مجال الصحة. وقد وفر البنك للضفة الغربية وقطاع غزة 5.8 ملايين دولار من أجل مواجهة تداعيات الجائحة، وأتاح قرضا بـ5 ملايين دولار لجيبوتي بهدف الاستجابة للحاجات الآنية وتعزيز قدرات الوقاية وتدبير التهديد الذي يطرحه كورونا. ووضع رهن إشارة مصر مبلغ 7.9 ملايين دولار لوضع مخطط للوقاية في مواجهة الجائحة، وسخر للبنان 40 مليون دولار في إطار مشروع صمود النظام الحي، ووفر 800 مليون دولار للمغرب لمواجهة آثار الجائحة، بالإضافة إلى محفظة من المشاريع القائمة سلفا. ودعم تونس بـ20 مليون دولار لدعم قدرات المواجهة لقطاع الصحة. وصادق مجلس إدارة البنك على هبة بـ26.9 مليون دولار لفائدة اليمن للتعاطي مع المخاطر المرتبطة بالجائحة.

- ماهي أولوياتكم في المنطقة في فترة الإقلاع الاقتصادي؟
تتمثل الأولوية المطلقة في حماية الساكنة ضد كورونا. فبدون تقليص مهم للخطر الصحي، لا يمكن تصور تحقيق نقلة قوية ومستدامة للاقتصاد، وبالتالي فرص العمل. فالجهود ستركز على تدابير التخفيف من أجل حماية حياة الناس. هذه التدابير التي تندرج ضمن أجوبة المدى القصير ستواكبها سياسات شاملة بهدف تحفيز النمو على المدى الطويل، خاصة عبر تحسين الحوكمة وبيئة الشركات، مع توسيع وتحسين جودة الاستثمارات في التربية والخدمات العمومية. وقد أبرزت الجائحة كذلك، الضرورة المستعجلة لاتخاذ تدابير لتنويع اقتصاديات المنطقة بهدف تحسين قدرة البلدان على مواجهة أزمات محتملة مشابهة في المستقبل وحماية الساكنة الهشة. وقد أعطت الأزمة في العديد من بلدان المنطقة دفعة نحو تغيير أساسي في إصلاح الحماية الاجتماعية مع تسريع الرقمنة.

المساهمون