أمير يبيع الوهم

أمير يبيع الوهم

27 ديسمبر 2017
+ الخط -
وضعت مجلة le point الفرنسية صورة لولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، على غلافها بعنوان مثير "الأمير الذي يمكنه أن يغير كل شيء".. ينظر القرّاء إلى صورة الأمير، بكوفيته المزركشة ولحيته الخفيفة وعقاله الأسود، فيتساءلون عن هذا الذي يستطيع أن يغير كل شيء، في عالم لم يبق فيه أمير أو ملك أو رئيس، أو حتى إمبراطور، يستطيع أن يغير كل شيء؟
خلف المبالغة لدى من وضع العنوان، هناك "رغبة فرنسية وغربية" في جعل محمد بن سلمان مشروعا مناهضا للوهابية التي يحمّلها الغرب مسؤولية تغذية التطرّف الديني. وهنا، أسمح لنفسي بالقول إن هذه الأمنية ضربٌ من الوهم. محمد بن سلمان يعرف، كما والده وجدّه، أن الدولة السعودية قائمة على عمودين: البترول والمؤسسة الدينية. الأول يعطي الأسرة الحاكمة الإمكانات المالية لشراء الحماية الدولية في الخارج، والسلم الاجتماعي في الداخل. والوهابية هي الأيديولوجيا التي توفر أسس المشروعية لنظام حكم لا يقتسم السلطة مع أحد.
لم ينتبه الغربيون جيدا إلى كلام الشاب الصاعد في سماء الرياض. قال إنه يريد أن يرجع بإسلام بلاده إلى ما قبل 1979، أي ما قبل دخول الأسرة الحاكمة في مزايداتٍ دينيةٍ لإظهار ورعٍ أكبر وتقوى أكثر، بعد حادثتين كبيرتين هزّتا العرش السعودي: ثورة الخميني الذي أسس جمهورية إسلامية شيعية، ووعد بتصدير ثمارها إلى الخارج. واقتحام جماعة جهيمان العتيبي الحرم المكي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، بدعوى أن الأسرة الحاكمة لا تحكم بشرع الله، وأن الإسلام أصبح غريبا في معقله الأول. قضت الدولة على هذه الحركة عسكريا، وقتل مئات في الحرم، لكن النظام تبنّى برنامج جهيمان، وانعطف نحو التشدّد الديني، وفرض الوصاية على المجتمع باسم تطبيق الشريعة، وإعلاء لواء الإيمان، ما فتح الباب لميلاد السلفية الجهادية التي عبرت الحدود السعودية، وصارت أيديولوجيا للإرهاب العابر للقارات.
تستخرج المملكة منذ 1934 النفط من بطن الصحراء، وتبيعه للغرب، وتأكل عائداته، من دون أن تستطيع تحديث البلاد ولا العباد. إنه مأزق الدول التي تعيش في الزمن الحاضر، وتريد أن تحكم شعوبها بأدوات القرون الوسطى، وهذا ما يجعل النظام السعودي في توتّر دائم، مرة مع أبنائه في الداخل، وأخرى مع حلفائه مع الخارج. لذلك، ليس الحل بيد أمير، مهما كانت سلطته.
محمد بن سلمان منبهر بنموذج الإمارات العربية المتحدة، حيث "التحديث" المادي مفصولٌ عن التحديث السياسي والفكري، وحيث الدولة تشتري من المواطنين حرياتهم، ونصيبهم في القرار العمومي، بفضل دولة الرفاهية ونظام الامتيازات الاجتماعية الذي يمنح الأفراد وظائف في القطاع العام بأجور عالية جدا، وبقع أرضية مجانية، واستهلاك للماء والكهرباء بلا ثمن، وقروض بفوائد مخفضة سرعان ما يجري شطبها، بالإضافة إلى نظام متطوّر لإدارة المدن وغابات العمارات التي تخطف أبصار السياح. هذا النموذج غير قابل للتكرار في بلادٍ عدد أفرادها فوق العشرين مليون نسمة، ويدخل إلى سوق الشغل فيها 200 ألف شاب متعلم كل سنة، معظمهم لا يجدون وظائف، وفيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، بثقلهما الرمزي والسياسي، وفيها عقد بين شيخ السلفية محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود منذ 1744. وفوق هذا كله، تشهد أسعار النفط نزولا حادّا لا يعطي النظام اليوم إمكاناتٍ ماليةً للصرف على دولة الرعاية الاجتماعية، في بلادٍ تخوض أربع حروب على أربع واجهات، في اليمن وقطر وإيران، وفي فندق الريتز كارلتون ضد أمراء من الأسرة وأغنياء.
حكاية الإسلام الراديكالي الذي يطرد النوم من عيون الشرق والغرب معقدة جدا، ولا تحل بضربات خاطفة لأمير، أو قرارات سياسية لحكومة. التطرّف الديني طالعٌ من أرض الاستبداد العربي، والفشل التنموي، وإحساس بالإحباط من الأنظمة الداخلية، ومن النظام الذي يحكم العالم، والذي لا يقيم للمسلمين وحقوقهم أي اعتبار. لذلك، كل الخطب عن التسامح الديني، وكل البرامج عن الاعتدال الفكري، وكل المحاضرات عن حوار الحضارات، تذوب عندما يتبرّع الرئيس ترامب لإسرائيل بنقل عاصمة أميركا إلى القدس، ويتسبّب بجرح كل عربي ومسلم، مهما كان نوع ارتباطه بفلسطين وبالدين.
محمد بن سلمان الذي يسعى إلى تخليص بلاده من أزماتها لم يخلّص سوى لوحة لدافينشي نقلها من نيويورك إلى الصحراء مقابل 450 مليون دولار.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.