أميركا 2017: سنة الحرب على الثقافة

أميركا 2017: سنة الحرب على الثقافة

03 يناير 2018
(اسم ترامب مكتوباً بقطع ثلج، نيويورك، سبنسر بلات)
+ الخط -

طغت أخبار الأحداث السياسية على غيرها من الأخبار الثقافية أو حتى الاجتماعية على 2017 والذي صادفت بدايته تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة. بل إن السياسة وتهديد ترامب بخفض الميزانيات لصناديق الثقافة إلى الصفر كانت في مطلع العناوين التي تصدّرت أخبار العام منذ بدايته، حتى أن بعضهم أطلق على هذه السياسات اسم "الحرب على الثقافة".

لم يعلن ترامب حربه على الفقراء وخصخصة الميزانيات المتعلقة بالصحة والتعليم فقط، بل كذلك على المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام الأميركية المموّلة حكومياً. وهدّد ترامب بقطع المنح المادية بشكل كامل عن "الصندوق القومي لدعم الفنون" (NEA) وكذلك "الصندوق القومي للإنسانيات"، اللذين يقدّمان منحاً للفنانين والكتّاب والأكاديميين، ولمشاريع تعليمية ثقافية، ولإقامة معارض، وبحوث في مجال الثقافة وغيرها.

وفي الوقت الذي لن يتمكّن فيه ترامب من إغلاق تلك الصناديق بشكل كامل، قام بخفض ميزانيتها لدرجة أنه من المتوقع أن تشلّها كما حدث في عهد الرئيس الجمهوري السابق رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي. ويعترض عدد لا بأس به من أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس على تمويل تلك الصناديق بحجة أنها تدعم "الفن غير المحتشم" وغير ذلك من الحجج.

كما عصفت بعالم الفن والإعلام الأميركي عشرات الفضائح تتعلق بالتحرّش الجنسي والاغتصاب فجّرتها قضية هارفي وينستين، وهو منتج ومخرج أفلام وواحد من مؤسّسي شركة ميرماكس للإنتاج السينمائي والمتهم بقضايا تحرّش واغتصاب واعتداء جنسي من عشرات النساء في عالم السينما في هوليوود.

نجد السياسة أيضاً في الكوميديا الأميركية وخاصة البرامج التلفزيونية الساخرة التي تربّعت على سلم البرامج الأكثر مشاهدة في أكثر من فترة حيث تناول عدد كبير منها بالخصوص البيت الأبيض والرئيس الأميركي.

ولعل أبرز تلك البرامج كان برنامج "ساترداي نايت لايف". وفازت الممثلة الأميركية ميليسا مكارثي بجائزة "إيمي" عن تقليدها الأسطوري للمتحدث السابق باسم البيت الأبيض شون سبايسر في فقرة ثابتة للبرنامج.

وفي الكوميديا كذلك، سطع نجم الكوميدي الفلسطيني المغمور مو عامر (محمد عامر) بعدما وجد نفسه يجلس في مقعد، وهو يستقل طائرة متجهة من نيويورك إلى غلاسكو في اسكنلاندا، بجانب إيرك ترامب؛ ابن الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقام مو بتوظيف هذة الحادثة بشكل لامع في عروضه مما جذب الانتباه لفنّه خارج الأوساط التي تتابعه في العادة، وهو الذي كان معروفاً بأوساط المتابعين للكوميديين العرب الأمريكان أو "الأقليات"، لتتم استضافته في برامج مركزية في الولايات المتحدة وذات شهرة واسعة، كبرنامج "تونايت شو" على سبيل المثال، التي نادراً ما نرى فيها شخصاً من أصول فلسطينية، وعربية أو مسلمة عامة.

في السينما برزت العديد من الأفلام من حيث موضوعها أو قيمتها الفنية ويمكن أن نتوقف عند اثنين منهما. الأول بعنوان "أنا لست زنجيّك" للمخرج راؤول بيك عن حياة الكاتب الأميركي الأسود جيمس بالدوين (1924 - 1989). ويتناول الفيلم بطريقة مثيرة ثلاثين صفحة كتبها بالدوين قبل رحيله، وكانت جزء من مخطوطة لم يتمكن من إنجازها ويستعيد فيها ما عايشه وكوّنه من رأي عن قادة حركة التحرر ونيل الحقوق المدنية للأمريكان السود بمن فيهم مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ.

أما الفيلم الآخر، فهو فيلم "أرقام مخفية" أو "أجساد مخفيّة" Hidden Figures، فالعنوان الإنكليزي حمّال للمعنيين. ويتناول الفيلم، المبني على قصة حقيقية، حكاية ثلاث نساء من أصول أفريقية عمِلن عام 1961، في مقر "الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء" (ناسا) ويركز على دور عالمة الرياضيات الأميركية من أصول أفريقية، كاثرين جونسون. التي كانت مسؤولة عن قياس منحنيات طيران سفن الفضاء الأميركية بما فيها الرحلة التاريخية لرائد الفضاء الأميركي الأول جون غلين عام 1962.

ويضع الفيلم الحكاية ضمن السياق السياسي والتاريخي السائد في الولايات المتحدة آنذاك وتأثير سياسات الفصل العنصري بين السود والبيض وانعكاسها على عمل جونسون وزميلاتها الأخريات، وخاصة في مناطق مثل ولاية فرجينيا حيث مقر ناسا.

عربياً، وعلى مسارح نيويورك، استمرّت محاربة الأعمال الفنية التي تتناول القضية الفلسطينية في أكثر من مناسبة. وعلى الرغم من ذلك تمكّن "مسرح سكيربال"، التابع لجامعة نيويورك، من استضافة مسرحية "الحصار" الفلسطينية، وعلى مدار عشرة أيام. ويعدّ هذا حدثاً مهمّاً أن يستضيف أحد مسارح نيويورك -أهم مدينة أميركية ثقافياً واقتصادياً- عرضاً يحاول تقديم وجهٍ إنساني للقضية الفلسطينية. وجاء عرض المسرحية بعد تأجيل لثلاث سنوات على التوالي وإلغاء عقد مع مسرح آخر بسبب ضغط اللوبيات الصهيونية والداعمين لها.

وفي المسرح كذلك، شهدت نيويورك عرضاً لمسرحية "حكايات مكة" للكاتبة راهينا مالك وإخراج المصري الكندي كريم فهمي. وتتناول المسرحية حياة خمس نساء مسلمات كنّ في طريقهن لأداء فريضة الحج عندما تعطلت الحافلة التي تقلّهن. يضيء العمل تجربتهنّ الروحية والصراعات الاجتماعية والدينية الداخلية بالإضافة إلى الاختلافات الطبقية بينهنّ، بعيداً عن الصور النمطية التي عادة ما تقدّم عن المسلمين في أميركا.

وعلى مستوى الموسيقى، كانت هناك عشرات العروض في "مركز ألوان للفنون" في نيويورك منها الموسيقى التقليدية العراقية، وكذلك عروض إيرانية وتركية وغيرها. كما أحيت "أوركسترا نيويورك للموسيقى العربية" والتي أسّسها كل من الموسيقي اللبناني، بسام سابا، والموسيقية الأميركية آبريل سينترون، عرضاً موسيقياً كبيراً في "قاعة ألباش هول" وسط نيويورك احتفالاً بذكرى انطلاقة الأوركسترا قبل عشر سنوات.

ويذهب عمل الأوركسترا أبعد من العمل الفني الموسيقي الاعتيادي، حيث تقدّم العديد من الدورات لتعليم الموسيقى العربية والعزف على آلاتها. وتتوجّه الأوركسترا لجمهور مختلف لتشمل مشاريعها دورات تدريبية مشتركة للعائلات، تركز على تكريس الثقافة الموسيقية العربية و"الشرق أوسطية"، كمتعة وكجزء من الثقافة العامة خصوصاً عند الناشئين وطلبة الجامعات. كما أطلقت برامج مختلفة لدعم اللاجئين.

وفي سياق المبادرات الجديدة، افتتحت في نيويورك أيضاً "مؤسسة الفن العربي والإسلامي"، ومقرّها منطقة مانهاتن. وتعدّ هذه المؤسسة الأولى من نوعها في نيويورك والتي يريد القائمون عليها ألا تقتصر فقط على عروض الأعمال الفنية، بل تطويرها لتحتضن كذلك الندوات والقراءات والعروض ومكتبة وبرامج إقامات فنية.

ويوجد في نيويورك كذلك "مركز ألوان للفنون"، الذي أسّس عام 1998. وعلى الرغم من تقديمه، بمجهودات تطوعية وفردية، لفعاليات ثقافية غنية وخاصة الموسيقية منها والندوات، إلا أن مساحته وإمكاناته المادية تبقى محدودة، كما أنه لا يركّز على عرض الأعمال الفنية.

تشكيلياً، عَرضت العديد من المتاحف الأميركية والغاليريهات في نيويورك أعمالاً لفنانين من أصول عربية، لعل أبرزها معرض للفنانة العراقية، المقيمة في لوس أنجليس، هيف كهرمان (مواليد بغداد 1981) في "غاليري جاك شاينمان" وحمل عنوان "إعادة نسج نقوش المهاجرين". وتأخذ كهرمان في أعمالها العادي واليومي لترسمه وتنسجه في مركز الذاكرة، التي لا تلبس فقط مجازياً حاضر المهاجر أو اللاجئ، بل تتغلغل فعلياً إلى جسده المرسوم على اللوحة كما تخترق جسد اللوحة وتشرطه وتصبح جزءاً من نسيجه.

كما صدرت، خلال السنة المنقضية، عشرات الكتب بأقلام أميركيين من أصول عربية في مجالات مختلفة نذكر هنا تلك التي حصلت على جوائز "الكتّاب العرب الأميركان لعام 2017". ففي الرواية، فاز الكاتب ذو الأصول اللبنانية ربيع علم الدين عن روايته الصادرة بالإنكليزية "ملاك التاريخ".

أما الباحث الأميركي من أصول أردنية، ستيفن سلايطة، فقد حصل على جائزة أفضل كتاب، ضمن فئة الكتب غير الأدبية، عن كتابه الذي يقارن تاريخ استعمار فلسطين واستعمار أميركا للسكّان الأصليين، ويحمل عنوان Inter/Nationalism: Decolonizing Native America and Palestine. وحصل حيان شرارة على جائزة الشعر عن ديوانه Something Sinister، فيما حصلت ميشيل شلفون على جائزة عن كتابها "كنز ماريه مأمون" عن فئة الفتيان والأطفال.

المساهمون