أميركا وإيران… الحرب الوهمية

أميركا وإيران… الحرب الوهمية

10 فبراير 2017
+ الخط -
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يشن هجوماً على جمهورية إيران الإسلامية. ويلمح إلى إمكانية الحل العسكري للملف الإيراني، ويكتب في إحدى تغريداته أنَّ إيران تلعب بالنار التي ستحرقها.

الرد الإيراني جاء سريعاً عن طريق أكبر رأس في الجمهورية الإسلامية، آية الله خامئني، إذْ أكّد أن إيران لا تخشى أحداً، وأنها سترد على أي عدوان أميركي، وهاجم الرئيس الأميركي، ترامب، ووصف سياساته بـ"الحمقاء".

من يتابع المشهد، الآن، وينخدع بصورة المعارك المزعومة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، يعتقدُ جازماً أن حرباً ما ستقع بين الدولتين، وأن إيران قد تلقن ترامب درساً، دفاعاً عن نفسها أولاً، وعن المسلمين الذين يعاديهم ترامب منذ وصوله إلى الحكم ثانياً.

ربما لو أعدنا النظر والتفكير قليلاً، وعدنا إلى قراءة التاريخ، سنجد أن الشعارات والخطابات والعداوة المزعومة، اليوم، هي نفسها منذ قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 بقيادة آية الله خامنئي. تحولت إيران بموجب الثورة من نظام ملكي إلى جمهورية إسلامية، ومشروع خلافة إسلامية بثوب شيعي. منذ ذلك اليوم، والشعار الأكبر، هو الحرب على أميركا، صانعة الإرهاب والشيطان الأكبر في العالم، والعدو الأول لإيران وللمسلمين، كما يقول الشعار، رغم أنها مجرد أصوات عالية وشعارات بالية، تناقضها أفعال طهران وملاليها.

بدأت إيران، يومها، بخدمة مصالح الولايات المتحدة، حتّى وإن كانت العداوة ظاهرة بين الطرفين. من الحرب ضد الجّارة العراق، والمقصد يومها كان بغداد، ومن ورائه الخليج العربي. واستنفِدَت فيها الطاقات والقوى، ووجه السلاح الإيراني للعرب طوال عقد من زمن، قبل أن يتوصَّل الطرفان لاتفاق سنة 1988. ثم بدأ تصدير المشروع الشيعي للمنطقة العربيَّة،  بدايةً بدولة الجنوب اللبناني، و"حركة المقاومة" تحت مسمى "حزب الله" الذي قسم لبنان، ويقف إلى اليوم في سبيل لبنان الدولة والسيادة، مُرورَاً بجماعة الحوثي في اليمن إلى الجماعات المسلحة في سورية.

ثم جاءَت حرب العراق سنة 2003، لتفضح العلاقات الأميركيّة الإيرانيّة الحميمة، حين دعمت إيران الدولة الاسلامية، والعدوُّ المزعوم للولايات المتحدة الأميركية، الغزو الأميركي للعراق. وساهمت، ولا تزال تساهم، في تدمير العراق ونهاية حلم الدولة فيها، وتلك البصمات الإيرانية في وجه العراق الجريح لا تزال شاهدة، وليس آخرها "الحشد الشعبي".

أمّا الربيع العربي والثورة السورية واليمنيّة، فقد كانت جميعاً وصمة عار في جبين الدولة الإسلاميّة المزعومة، حين تدخّلت إيران علناً، وتحت عيون العدوّ المزعوم والشيطان الأكبر كما تسميه. تدخّلت في سورية، ودمّرت وقتلت وشرّدت، ثم واصَلت مشروعها الذي لا يخدم إلا مصالح أميركا، حين دعمت الثورة المضادة في اليمن، ممثّلة في الحوثي وصالح، واستولت على صنعاء، والحديث اليوم يجري عن المنامة، ومن ثم مكّة والمدينة، وهو أمر غير مستبعد في ظل تدهور العلاقات مع السعودية خاصة، والخليج العربي عامة.

كانت المكافأة الأميركية والغربية لإيران جاهزة على إحلالها السلام في منطقة الشرق الأوسط، والدور الذي لعبته في إجهاض الربيع العربي. اتفاق نووي غربي أميركي مع إيران في تموز/ يوليو 2015، ضمنت به إيران رفع العزلة عنها، وتجنَّبت العقوبات الاقتصادية المرفوعة عنها، وارتفعت معنويّاتها كثيراً، وزادَت أطماعها كثيراً في المنطقة العربية، وأطلَقَت يدها أيَّما إطلاق.

شهدت العلاقات الإيرانية الأميركية بعد الاتفاق النووي أزهى فتراتها حين تبادل الطرفان الزيارات والتعاون الاقتصادي والسياسي واللوجستي في المنطقة. وبدأت معركة الموصل الشهيرة، والتي دخلت فيها إيران كحليف عسكري مع الولايات المتحدة الأميركية لأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية، حتى وإن كانت إيران، يومها، تلبس ثوب "الحشد الشعبي".

بعد وصول ترامب إلى السلطة، بدأت المخاوف المُعلنَة عن عودة العلاقات لنقطة الصفر خاصة بعد هجوم ترامب المتكرر على طهران وساستها. ولكن الجميع يعلم أنه في السياسة الأميركية لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون. لقد كان أسامة بن لادن و"القاعدة"، ذات يوم، حليفاً للأميركان إبان الحرب الأفغانية السوفييتية.

إيران ليست بريئة براءة الذئب من دم الشرق الأوسط المسكوب، حتى تظهر في ثوب المدافع عنه ضد سياسات ترامب. والولايات المتحدة الأميركية تعلم أن إيران ورقة رابحة في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنها.

 على الأقل، لنْ نحتاج لغزوٍ عراقيّ آخر. هناك من سيحارب نيابة عنا ومن أجل مصالحنا،  ذلك لسان حال السياسة الخارجية الأميركية تجاه طهران اليوم.

فمن يخدع الساسة غير أنفسهم؟ إنها مجرد حرب وهمية قديمة جديدة بين الدولة الإسلامية الإيرانية كما تسمى، وبين الشيطان الأكبر كما تسميه هي.

D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.