أميركا... توسع المقاطعة وترهيب اللاسامية

أميركا... توسع المقاطعة وترهيب اللاسامية

29 يوليو 2018
نشطاء في تايمز سكوير يؤيدون الحقوق الفلسطينية (إريك ماكروغير/Getty)
+ الخط -
تشهد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، والمعروفة تحت اسم BDS في الولايات المتحدة ارتفاعا في عدد مؤيديها من المشاهير والجمعيات الطلابية والكنائس والمؤسسات الأميركية. في مقابل هذا الدعم المتزايد لها في الولايات المتحدة والجدل الذي يصاحبها، هناك محاولات جدية لبترها وتشويه سمعتها وربطها باللاسامية، على الرغم، وربما بسبب، وجود منظمات أميركية يهودية أعلنت تأييدها لها كمنظمة "أصوات يهودية من أجل السلام" الأميركية، مما يربك دولة الاحتلال على أكثر من صعيد.
وتخوض التيارات المناهضة لحركة المقاطعة في الولايات المتحدة حربها ضد الحركة ومؤيديها عامة، ليتوسع الأمر ويشمل أي مدافع عن حقوق الفلسطينيين، بما فيها حقهم في تقرير المصير وإنهاء احتلال بلادهم. وتعمل تلك التيارات المناهضة لحركة المقاطعة وحقوق الإنسان الفلسطيني عامة، على عدة مستويات منها: السياسي الرسمي الإسرائيلي والدعاية المباشرة، واللوبي الصهيوني وجماعات الضغط على القطاع الخاص والمؤسسات الثقافية والأكاديمية. أما المستوى الثالث فيتعلق بسن القوانين والمراسيم التي تحاول أن تجرم أو تعاقب المؤيدين للمقاطعة.
المثير هو تزايد عدد الشخصيات الأميركية البارزة من أصول أفريقية الذين أعلنوا تأييدهم الحركة أو دعمهم حقوق الفلسطينيين. والأمثلة كثيرة، ومن بينها انسحاب عدد من اللاعبين المحترفين في كرة القدم الأميركية من جولة دعائية لإسرائيل، ومن أبرزهم اللاعب مايكل بينيت العام الماضي. وكان قد صرح عند إعلان قراره الانسحاب إنه "لا يريد أن يستخدم من قبل الحكومة الإسرائيلية لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني". وأضاف "أريد أن أكون صوت من لا صوت لهم. ولا يمكنني أن أفعل ذلك من خلال القيام بهذه الرحلات". أما مغني الراب، فيك مينسا، وهو كذلك أميركي من أصول أفريقية فقد أصدر ألبوما فيه أغنية مصورة تحمل عنوان "يوما ما سنكون أحرارا" ويربط فيها بين كفاح السكان الأصليين في الولايات المتحدة والأميركيين من أصول أفريقية من جهة، وكفاح الفلسطينيين ضد استعمارهم من جهة أخرى. كما نشر مقالا تحدث فيه عن زيارته فلسطين ضمن نشاطات منظمة "المدافعون عن الأحلام" والتي كان المحامي الأميركي من أصول فلسطينية أحمد أبو زنيد من مؤسسيها. المنظمة التي تعمل بشكل أساسي بهدف توفير الدعم والاستشارة القانونية والتدريب وتأهيل شباب الأقليات والدفاع عن حقوقهم المدنية، وخاصة الأمريكيين من أصول أفريقية. ولكن جزءاً من خطها هو الإيمان بأن هناك كفاحا مشتركا بين الشعوب المضطهدة وضرورة التنسيق أو الدعم المشترك مع الحفاظ على خصوصية كل وضع. وتمول المنظمة زيارات لفتيات وشباب أمريكيين من الأقليات إلى فلسطين لإطلاعهم على الأوضاع عن كثب.
في واحدة من تلك الزيارات كان كذلك عدد من قادة حركة "حياة السود مهمة" وهي واحدة من الحركات التي حظيت باحترام وتأثير في الشارع الأميركي، وخاصة بعد الكشف عن عمليات قتل عديدة قامت بها الشرطة الأميركية ضد شباب أميركيين من أصول أفريقية. ونص برنامج الحركة الرسمي عند صدوره عام 2016، ثلاث سنوات بعد تأسيسها على دعم رسمي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال. ووصف البرنامج إسرائيل بأنّها "دولة التفرقة العنصرية التي ارتكبت تطهيراً عرقياً ضد الفلسطينيين. وأثار ذلك الإعلان سخطاً واسعاً يستمر حتى اليوم، ليس بين الصهاينة اليمينيين والليبراليين فحسب، بل في أوساط يهود أميركيين محسوبين على اليسار الأميركي الليبرالي. يذكر أن الحركة هي عبارة عن مظلة لأكثر من 50 تنظيما سياسيا واجتماعيا للأميركيين من أصول أفريقية.
في مقابل تلك الكلمات والأفعال الصريحة بدأت تظهر عند بعض المشاهير في الولايات المتحدة تحفظات على المشاركة في نشاطات تظهر تأييداً للحكومة الإسرائيلية، وإن كان هؤلاء غير حريصين بالضرورة على حقوق الفلسطينيين، ولكن يضطرون للانسحاب، كما حدث مع الممثلة نتالي بورتمان ورفضها تسلم جائزة ترعاها الحكومة الإسرائيلية، أصبح مضرا بصورتهم. الأمر ذاته حدث مع مؤسسة "القلم" وفرعها الأميركي الذي لقي انتقادات شديدة من قبل عدد من المثقفين لقبوله لسنوات أن تقام فعالياته تحت رعاية دولة الاحتلال. وبعد العديد من الضغوطات اضطر القائمون وقف هذا الدعم من دون الإعلان رسميا عن خضوعهم للضغوطات.
لكن المعارك الكبرى تبقى في الجامعات الأميركية وعلى العديد من الأصعدة. أبرزها تصويت العديد من اتحادات الأكاديميين أو الاتحادات الطلابية لصالح المقاطعة. آخرها كان تصويت طالبات كلية "برنارد" النسائية النخبوية والتابعة لجامعة كولمبيا العريقة في مدينة نيويورك لمصلحة سحب الاستثمارات من ثماني شركات تعمل لمصلحة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ويحاول الداعمون للاحتلال التقليل من الإنجازات التي تمكنت حركة المقاطعة وحركات دعم حقوق الفلسطينيين من تحقيقها في الولايات المتحدة. ويدعي هؤلاء مثلاً أن "الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بالأساس على "الهاي تيك" وأن المنتجات الإسرائيلية في هذا السياق موجودة في كل هاتف وأن المقاطعة الكاملة مستحيلة" وغيرها من الحجج. ولا بد من أخذ تلك الادعاءات على محمل الجد ومحاولة وضعها في سياقها الأوسع والذي يتمثل بكون حركة المقاطعة وسيلة وليست هدفا بحد ذاته. ومن الضروري النظر للحركة كوسيلة واحدة من ضمن العديد من الوسائل التي يجب أن تستخدم في النضال من أجل حرية الشعب الفلسطيني. كما أن أحد أعمدتها هو الرأي العام.
في هذا السياق يمكن فهم الحملة الإسرائيلية الضخمة التي خصصت لها سلطات الاحتلال عشرات الملايين من الدولارات لمحاربة حملات المقاطعة، وخاصة في الولايات المتحدة. بل إن دولة الاحتلال أعلنت عن قوائم سوداء للمنظمات والأفراد الذين يعلنون عن تأييدهم للمقاطعة وقررت منعهم من دخول فلسطين المحتلة وبدأت تنفيذ قرارها.
إلى ذلك وعلى صعيد القوانين والتشريعات التي تحارب المقاطعة شهدت السنوات الأربع الأخيرة محاولات لتشريع أكثر من ثلاثين قانونا في ولايات عديدة فشل أغلبها، لكن بعضها نجح في ولايات مثل إيلينوي وساوث كارولاينا. وفي ولايات أخرى كولاية نيويورك كان أندرو كوومو حاكم الولاية عن الحزب الديمقراطي قد أصدر قرارا إداريا يقضي بمحاربة حركة المقاطعة، وكان قد صرح في حينه أن ولاية نيويورك لن تسمح بتقديم أي دعم مادي لأي من النشاطات التي تدعم حركة المقاطعة بشكل مباشر أو غير مباشر. وتهدف قرارات من هذا القبيل إلى ردع ومعاقبة المنظمات التي تدعم حركة المقاطعة والحيلولة دون حصولها على دعم مادي من حكومة الولاية. ولم تقتصر تلك المحاولات والقوانين على الولايات فحسب، بل موجودة على مستوى الكونغرس كذلك.
تحاول الجهات المختلفة الفاعلة على الساحة السياسية في الولايات المتحدة بث الرعب والبلبلة في قلوب الداعمين للمقاطعة وعلى وجه التحديد بين الشباب وطلاب الجامعات والأساتذة الجامعيين ونشر قوائم سوداء تشهر بهم وتطالب طلابهم بمقاطعة حصصهم والضغط على جامعاتهم لتوقيعهم على هذه أو تلك العريضة المؤيدة للمقاطعة أو معارضة للاحتلال. ويحاول لوبي محاربة المقاطعة التقليل من إنجازاتها أو أهميتها، لكن أي نظرة سريعة على عدد المنظمات الصهيونية والسياسيين الأميركيين الذين يعملون كل ما بوسعهم لترغيب وترهيب الذين يطالبون بالمقاطعة يظهر مستوى القلق وربما الرعب الذي تشعر به تلك اللوبيهات من النشطاء والتأييد المتزايد لحملة تعتمد بشكل أساسي على المتطوعين الذين يؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية ويقفون خلفها.