أميركا تصعّد ضد الصين: ترامب يشهر سلاح التعويضات

أميركا تصعّد ضد الصين: ترامب يشهر سلاح التعويضات

29 ابريل 2020
سان فرانسيسكو أضحت مدينة أشباح (Getty)
+ الخط -
لم يعد الصدام الأميركي ـ الصيني بسبب تفشي وباء كورونا محصوراً في الإطار الكلامي، مع تلميح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نيته الحصول على تعويضات مالية من الصين، في أحدث محطات النزاع بين الطرفين. ففي مؤتمره الصحافي اليومي للبحث في آخر مستجدات الفيروس، أبدى ترامب، مساء أول من أمس الاثنين، استياءه من الصين، معبّراً عن عدم رضاه إزاء "الوضع بأكمله، لأننا نعتقد أنه كان من الممكن وقفه (الفيروس) في مصدره". وأضاف "كان من الممكن درؤه سريعاً وما كان ليتفشى في العالم أجمع"، مشيراً إلى وجود خيارات عدة "لمحاسبتهم (الصينيين)". وسألت صحافية ترامب عن مقال نشرته صحيفة ألمانية طالب الصين بدفع 165 مليار دولار لألمانيا كتعويض عن الأضرار الاقتصادية التي تسبب بها الفيروس، وعما إذا كانت الولايات المتحدة ستفكر في القيام بالأمر نفسه، فردّ: "بإمكاننا القيام بأمر أسهل بكثير من ذلك". ورأى أن "ألمانيا تنظر في أمور ونحن ننظر في أمور أخرى. لم نحدد المبلغ النهائي بعد"، لافتاً إلى أن "الضرر لم يلحق فقط بالولايات المتحدة فحسب، بل بالعالم أجمع".

اتهامات ترامب لاقت رداً سريعاً من الصين، التي اتّهم المتحدث باسم وزارة خارجيتها غينغ شوانغ، أمس الثلاثاء، السياسيين الأميركيين بـ"التفوّه بأكاذيب مكشوفة"، من دون أن يسمي ترامب. وأضاف في إيجاز صحافي دوري: "لديهم هدف واحد: التهرّب من مسؤوليتهم عن إجراءات الوقاية والسيطرة الرديئة حيال الوباء التي اتخذوها وصرف أنظار الناس" عن الأمر. وأشار غينغ إلى أن على المسؤولين الأميركيين "التفكير في مشكلاتهم وإيجاد طريقة لاحتواء تفشي الفيروس في أسرع ما يمكن".

الصدام الصيني مع أوروبا وأميركا امتد إلى أستراليا، التي طلبت من السفير الصيني شينغ جينغيي تفسير "تهديدات الإجبار الاقتصادي"، بعدما سعت لفتح تحقيق دولي بشأن منشأ وتفشي فيروس كورونا، بعد قول شينغ لصحيفة محلية، أول من أمس الاثنين، إن المستهلكين الصينيين يمكن أن يقاطعوا لحوم الأبقار ومنتجات النبيذ والسياحة والجامعات الأسترالية رداً على ذلك. فقال وزير التجارة سايمون برمنغهام، إن أستراليا "مورّد بالغ الأهمية" للصين، وإن الموارد ومنتجات الطاقة الأسترالية ساهمت كثيراً في نمو قطاعات الصناعة والإنشاءات في الصين. وشدّد في مقابلة مع هيئة الإذاعة الأسترالية "إيه. بي. سي"، على أن "أستراليا لن تغير بعد الآن موقفها السياسي بشأن قضايا الصحة العامة المهمة بسبب الإجبار الاقتصادي أو تهديدات بالإجبار الاقتصادي، تماماً مثلما لا نغيّر موقفنا السياسي في أمور الأمن القومي". وأضاف أن وزارة الشؤون الخارجية استدعت شينغ لتفسير تصريحاته. ونشرت السفارة الصينية ملخصاً للحديث على موقعها الإلكتروني، جاء فيه أن تشينغ "رفض تماماً المخاوف التي أبداها الجانب الأسترالي".

أما السفير الصيني فاعتبر أنه "لا يمكن إخفاء حقيقة أن الاقتراح مجرد مناورة سياسية"، كما نفى المتحدث باسم الخارجية الصينية جينغ شوانغ أن تكون تصريحات السفير وصلت إلى حد "الإجبار الاقتصادي"، بل ذكر أنه "كان يتحدث عن مخاوف الشعب الصيني الذي يختلف مع أفعال معينة خاطئة أقدمت عليها أستراليا في الآونة الأخيرة". والصين تستحوذ على 26 في المائة من إجمالي تجارة أستراليا، التي بلغت نحو 150 مليار دولار في السنة المالية 2018 ـ 2019، وهي أكبر سوق منفردة لصادرات أسترالية، مثل الفحم وخام الحديد والنبيذ ولحوم الأبقار والسياحة والتعليم.

وفي ما يتعلق بكشف النقاب عن ضغوط صينية "لتخفيف حدة الانتقادات" الموجّهة إلى بكين، طالب البرلمان الأوروبي بتوضيحات من رئاسة المفوضية الأوروبية عن صحة الضغوط الصينية، بينما تنشغل بكين في دفع الاتهامات المتزايدة لها بالصمت لفترة عن انتشار كورونا فيها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وشملت الانتقادات "الأدوات الطبية غير الصالحة للاستخدام" المرسلة من بكين لبعض الدول الأوروبية بأسعار خيالية، خصوصاً إلى إيطاليا. وكان عضو البرلمان الأوروبي من مجموعة "التجديد الأوروبي"، الهولندي بارت غروثيوس، قد طالب مقرر الشؤون الخارجية الأوروبية، جوزيف بوريل، بالرد رسمياً على ما تناقلته بعض الوسائل الإعلامية حول أن السلطات الصينية "ضغطت على المفوضية الأوروبية لتخفيف حدة انتقاداتها في تقريرها الجديد". واعتبر غروثيوس وزميلته هيلدا فاوتمانس أنه "إذا ما صحت هذه الأخبار فسيمثل ذلك مشكلة خطيرة". ونقل موقع "بوليتيكو" عن غروثيوس قوله إن "ذلك سيضر بالعملية الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً: "سياستنا معرضة للخطر إذا سمحنا للصين بالتدخل في قلب الديمقراطية الأوروبية".



وكانت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"فايننشال تايمز" قد كشفتا قبل أيام، بالتعاون مع الموقع الإلكتروني لـ"بوليتيكو"، عن أن الصين نشطت في التواصل الضاغط مع مقرري السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي لتليين عبارات ممثلي السياسات الخارجية الأوروبية بشأن دور بكين في انتشار الوباء. وفي الأسبوع الماضي كانت وسائل إعلام قد نقلت عن "مصادر مجهولة" من موظفي الاتحاد الأوروبي في بروكسل أن "الدبلوماسيين الصينيين مارسوا ضغوطاً على مفوضية السياسات الخارجية في الاتحاد، لتخفيف انتقاداتهم حول المعلومات المضللة من بكين".

وبحسب التسريبات، فقد كشفت مسودة أصلية لتقرير أوروبي بشأن "المعلومات المضللة" أن الحكومة الصينية "تشارك في حملة تضليل عالمية حول الفيروس"، وفقاً لتلفزيون "دي آر" الدنماركي. وأضافت المسودة أن الصين تسعى جاهدة لتحسين سمعتها التي تعرضت لضربة قوية نتيجة انتشار العدوى وتفشي الوباء عالمياً، عبر محاولتها "عمداً صرف الانتباه عن الحقيقة باتهام الولايات المتحدة بنشر الفيروس". وأكدت وسائل إعلامية وصحافية أوروبية، أمس، أن "مصادر رسمية من حكومات مختلفة، ومن بينها روسيا وإلى حد ما الصين، استهدفت نشر نظرية المؤامرة وبث معلومات مضللة". وكانت بعض الوسائل قد ذكرت أن بكين "نشرت معلومات مضللة وكاذبة عن سياسيين فرنسيين استخدموا عبارات عنصرية بحق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس".

ويبدو أن التسريبات من مصادر داخل الاتحاد الأوروبي حول تعديل مسودة التقرير الذي كان يحمّل في الأصل بكين المسؤولية مع موسكو عن نشر المعلومات المضللة، كان مقرراً صدوره في 21 إبريل/ نيسان الحالي، قبل أن تؤجله الضغوط الصينية إلى يوم الجمعة الماضي، وتبين أن الانتقادات لبكين كانت "أخف بكثير مما كانت عليه في النص الأصلي". وهو ما أثار حفيظة بعض وسائل الإعلام الأوروبية والبرلمانيين الأوروبيين، إذا صح ما جاء في التسريبات عن رضوخ بوريل لضغوط بكين. حتى أن "نيويورك تايمز" رأت في تليين لغة البيان أن "الاتحاد الأوروبي مارس سياسة رقابة ذاتية لإرضاء الحزب الشيوعي الصيني".

وسبق أن رُفعت تقارير أوروبية عدة خلال الأعوام الماضية تعبر عن الخشية من اتساع النفوذ الصيني في بعض دول أوروبا، من خلال سياسات الاستثمار والتمويل والقروض وشراء شركات متعثرة وموانئ في اليونان وغيرها. وعززت التقارير الأخيرة عن الضغوط الدبلوماسية الصينية على مقرري السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي من مخاوف "الاختراق الصيني"، بعد استخدام مندوبي بعض الدول القريبة من بكين حق النقض في رفض قرارات وسياسات أوروبية معينة تجاه بكين، ومن بينها سعي الاتحاد للحد من الاستثمارات الواسعة في أكثر من بلد، قبل تفشي الوباء بكثير.

في غضون ذلك، تواصل إدارة ترامب حملتها ضد منظمة الصحة العالمية، لكن بعض وسائل الإعلام الأميركية طالبت الإدارة بتخفيف الهجوم، إذ رأت صحيفة "واشنطن بوست" أن شكوى الإدارة من منظمة الصحة العالمية في شأن الصين صحيحة، ولكن من الخطأ إلقاء اللوم على المنظمة. ففي مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن المدير العام لمنظمة الصحة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، "فشل" في "إنفاذ" اللوائح الصحية الدولية، وهي القواعد التي تستند إليها المنظمة في ما يتعلق بالشفافية والكشف. لكن الصحيفة رأت أن نقطة القوة الأساسية لمنظمة الصحة هي الإقناع، بعدما تفاوضت الوكالة بنجاح على زيارة وفد خبراء للصين في منتصف الأزمة. وهنا تجاهل بومبيو ذلك، بل إنه يقود حملة لا تقتصر على تأخير وصول أموال الحكومة الأميركية للمنظمة، بل تهميشها عن طريق تحويل الأموال إلى مجموعات أخرى أو بدء العمل على منظمة موازية. واعتبرت "واشنطن بوست" أن منظمة الصحة العالمية تتحمّل المخاطر على الخطوط الأمامية التي تفيد الولايات المتحدة من خلال منع الأمراض، فقد قاتلت بعثتها بقوة في الكونغو لمكافحة إيبولا والحصبة في السنوات الأخيرة في صراع بالغ الخطورة.

(العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس، رويترز)


المساهمون