أميركا.. بين نعومة القول ووحشية التعامل

أميركا.. بين نعومة القول ووحشية التعامل

24 ديسمبر 2014
خلفت هذه الفضيحة جدلاً واسعاً في الساحة الدولية (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة الأميركية إلى الديمقراطية، وتستخدم ورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، وتتسابق للتدخل في كل القضايا الدولية المطروحة لحلها، ينشر تقرير أعده مجلس الشيوخ الأميركي حول التعذيب في السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" ليكشف التناقض الفاضح بين اعترافات أميركا بحقوق الإنسان نظرياً، وخرقها لها عملياً. حيث أكد هذا التقرير أن "سي آي إيه" لجأت إلى أساليب عنيفة ولاإنسانية في استنطاق أكثر من 100 معتقل يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة بين عامي 2001 و2009.

وذكر التقرير أنه بعد دراسة 20 حالة، تأكد أن التعذيب الذي مارسته وكالة الاستخبارات على المحتجزين، لم يعط أية نتائج إيجابية. وأشار إلى أن تقنيات الاستجواب المستعملة لم تساعد في أي وقت من الأوقات في الحصول على معلومات مؤكدة بوجود تهديدات إرهابية، وأن كل المعلومات التي زعمت الوكالة الحصول عليها من خلال استنطاقها كانت مغلوطة. وتبين أن ادعاء الوكالة بأن أساليبها مكنت من الحفاظ على الأرواح كان كاذبا.

كما أن الوكالة زيفت التقرير الذي سبق وقدمته حول أساليب الاستنطاق التي اتبعتها، وغطت على طريقتها الوحشية في استجواب المحتجزين، وأبرزهم "خالد الشيخ محمد"، أحد قادة القاعدة، والذي اقترب من الموت بعد ما أخضعوه للإغراق. وحالات أخرى من الحرمان من النوم، والصعق بالكهرباء، وهذا باحتجازهم لأسباب غير واضحة وبدون توجيه أية تهم لهم.

واستمرت هذه الوكالة في أسلوبها اللإنساني حتى بعدما وجهت لها تقارير داخلية أكثر من مرة، دعتها إلى إعادة النظر في أسباب الاعتقال والتعذيب. وبهذا فإن "سي آي إيه" بأساليبها مست بقيم وسمعة الولايات المتحدة في العالم، وخلفت أضرارا مادية ومعنوية للأمن القومي الأميركي.

وقد خلفت هذه الفضيحة جدلا واسعا في الساحة الدولية. بحيث أعرب عدد كبير من المسؤولين، كرئيس الوزراء البريطاني ونظيره التركي، عن استيائهم ورفضهم لسياسات التعذيب الأميركية. الشيء الذي أدى إلى طرح تساؤلات حول تورط حكومات الدول التي وافقت على استضافة السجون السرية على أراضيها.

أما بخصوص رد أميركا على هذه الفضيحة، فقد انتقد رئيسها، باراك أوباما، الطرق وأساليب الاستجواب القسرية التي تستخدمها وكالة الاستخبارات. وأضاف أن هذه الأساليب لم ولن تخدم جهود بلده في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي، بل جعلت مهمة متابعة مصالح دولته حول العالم أصعب.

جاء رد فعل أميركا باهتا كعادتها في مثل هذه المواقف. وهنا يطرح ألف سؤال، نعلم جيدا أن الـ"سي آي إيه" هي الذراع الأيمن الحامي لأمن المكتب الرئاسي الأميركي، فكيف ورطته هذه المرة؟ وإذا كان أوباما لا يعلم فعلا بسياسة الوكالة التعذيبية، وغير راض عنها، فلماذا وعد علنياً بنزع السرية بشكل كامل عن معلومات التقرير، وتفاوض في الخفاء لأكثر من 8 أشهر مع مجلس الشيوخ لمحاولة إقناعهم بتقليص حجم المعلومات الواجب ذكرها كأسماء البلدان التي تعاونت مع البرنامج السري للوكالة، والأسماء الحركية لعملائها؟ وهل توقيت نشر التقرير بريء أم يخدم مصالح أميركا في لعبة جديدة تلعب فيها دور الضحية لتمتين إحكام قبضتها على العالم؟ أسئلة ستبقى مطروحة لتجاوبنا عليها الأحداث القادمة.


*المغرب

المساهمون