أمـن إسـرائيل مسـؤولية عـربـيـة!

07 اغسطس 2014
+ الخط -


ثلاثة أسابيع مرت على العدوان الصهيوني على قطاع غزة، خاض فيها العدو المباريات الدموية والعمليات العدوانية الضارية ضد أطفال ونساء وشيوخ، ولم يعتق المساجد والمستشفيات، بهدف تحقيق حالة رعب وإحباط في الوطن العربي، وليس في غزة وحدها، ونحن، العرب، نخوض المباريات الكلامية، وبيانات الشجب والاستنكار والإدانة، لتثبيت حالتي الرعب والأحباط في الأمة العربية. رفعنا شعار أنا أستنكر، إذن أنا موجود، ورفع العدو شعار، أنا أقتل إذن أنا موجود. لهذا، كان الفشل والإخفاق البند السري في حروب العرب وسلامهم.

صحيح أن الأمة العربية تتخبط بسياسات مرعبة، أدخلت في عقولنا أن السياسة هي الاختيار بين السيئَ والأسوأ، وأدخلت مبررات للتخلي عن واجباتنا الوطنية، متكئين على مقولة تصف السياسة بفن الممكن.
ولكن، هل يشفع ذلك بأن يصبح أمن إسرائيل مسؤولية عربية، تحت شعار الواقعية. كيف أصبحت قضية أمن إسرائيل محسومة عربياً، ألم يكن هدف "المبادرة المصرية" المحافظة على أمن إسرائيل وسلامتها، وكانت تصب في مصلحة الاحتلال، على الرغم مما أعلنه  بعضهم، من أن "المبادرة المصرية" هي للمحافظة على سلامة الفلسطينيين وأمنهم. ألم يكتب المعلق العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي: مصر تعمل لصالحنا.

كيف نجحت إسرائيل في حملتها الدعائية، وأصبح الجميع يبارك ذبح 1.8 مليون إنسان، "معظمهم أطفال ونساء محاصرون من كل الجهات"، ويتحدثون فقط عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إلى درجة القتل. وقد نشرت صحيفة أميركية، في صفحتها الأولى، صورة جنود صهاينة يقفون خافضي الرؤوس، شاعرين بالقلق، وهم يسمعون صفارات الإنذار، وتجاهلت أنه، في اللحظة نفسها، أطلقت سفينةٌ إسرائيلية قذيفتها على أربعة أطفال، كانوا يلعبون على شاطئ غزة، قتلوا جميعاً بلا رثاء، وفصلت محطة تلفزيونية مراسلها، لأنه هبط مفزوعاً يحاول تدليك قلب أحدهم، وتم، أيضاً، فصل مذيعة أخرى، لأنها روت كيف يجلس الإسرائيليون في مستوطنة "سيدروت" فوق تل مرتفع، ليستمتعوا بمشاهد قصف غزة. أما من لم يحسم أمره في الوطن العربي، فعليه أن يواجه تهم المزايدة والحماقة والخيال والتشكيك، والخروج عن الموضوعية، وعدم القدرة على استيعاب المتغيرات الدولية، وعدم فهم النظام العالمي الجديد، وعدم الاستفادة من دروس حرب الخليج، وما حصل في البوسنة وكوسوفو والصومال وأفغانستان ورواندا والشيشان، وما يقع في ليبيا وسورية واليمن، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الشماتة بالدم الفلسطيني.

إلى متى سيستمر الفلسطينيون في تعداد شهدائهم، والقادة العرب نيام. وإذا كانت المذابح اليومية في فلسطين، تهدف إلى تأكيد النظرية القائلة إن السلام يزهق أرواحاً أكثر من الحرب، فهل هذا يعني أن  الفلسطينيين يكرهون السلام إلى درجة أنه لا بد من إبادتهم. وكم يجب أن تقتل إسرائيل من الفلسطينيين، كي يستقر السلام وتسود الرفاهية والطمأنينة المنطقة، وهل يمكن أن ندرك العربدة الإسرائيلية في بلاد العرب، طوال ستة عقود، ونحن نتسابق بإطلاق المناكفات ضد بعضنا، ولا أحد يتذكر فلسطين إلا مادة خطابية.

المراقب لكل الممارسات الإسرائيلية، منذ احتلالها الأرض العربية، وبعد اتفاق أوسلو، وإلى هذه اللحظة، يكتشف بوضوح، ومن دون أن يكون هناك مجال لأي شك، أن هذه الممارسات عملت باستمرار على اعتبار أن العرب هم الطارئون في هذه المنطقة، وأن اسرائيل هي الأحق والأولى بأخذ كامل المكانة والهيمنة والسيطرة في الشرق الأوسط. بدءاً من مذبحة دير ياسين التى ارتكبتها إسرائيل عند تأسيسها، مروراً بمجزرة قانا، وانتهاءً بالمجازر والمذابح التي ترتكب هذه الأيام ضد أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، نجد دور الثقافة التي يعتمدها حكام صهيون، متسمة بالعنف، وتنظر إلى العرب على أنهم أمة وجدت لكي تقتَل فقط  وتصادر حقوقها فقط.

تدرك إسرائيل أن فشلها يكمن في وجود غزة وأهلها، وصمودهم، وكرامتهم الصلبة، مجرد وجودهم فقط يمثل خطراً على مستقبل الصهيونية وأحلامها، فهي تعلم، جيدًا، أن وجودها لن يكون آمناً، إلا إذا أبادت أهل البلاد الأصليين عن بكرة أبيهم، واستولت على فلسطين بكامل حدودها التاريخية، وقد تعلمت الدرس جيدًا من تجارب الاستعمار الاستيطاني السابقة، فقد نجح البيض في أميركا، لأنهم أبادوا الهنود الحمر، ونجحوا في أستراليا، لأنهم استأصلوا السكان الأصليين "الأبوريجين"، بينما فشلت فرنسا في الجزائر، والبيض في جنوب إفريقيا، لأن السكان الأصليين بقوا وصمدوا، وواصلوا التمسك بأرضهم.

إن مطالبة إسرائيل بالالتزام بتعهداتها، والكف عن قتل الفلسطينيين لن تجدي نفعاً، فكم طالبنا، وكم تحدثنا، وكم أصدرنا بيانات مشتركة ومتفرقة في هذا الشأن، من دون أن تستجيب إسرائيل لأية مطالب أو حديث.

أمتنا العربية والإسلامية بحاجة ماسة إلى أن يذهب قادتها إلى ما هو أبعد من بيانات الشجب والاستنكار، نحن بحاجة إلى أن يضعوا البوصلة في اتجاهها الصحيح أولاً، ومن ثم يبدأ العمل، للتحرر من عبء نظرية أن العرب والمسلمين ظاهرة صوتية فقط. ولن يخسر القادة شيئاُ لو جربوا، مرة واحدة، الاحتكام إلى ضميرهم، بدل واقعيتهم، التي اعتقدوا أن فيها طريق الخلاص من قضية العرب الأولى. وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، موعد تفعيلهما هو الآن، وليس في زمن آخر، لا يكون قد بقي فيه سوى الأطلال، ولتتوقف سخرية شعوب العالم من عجزنا وانبطاحنا. وما لدى الكيان الصهيوني من أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية لم يعد سرًا، ومع ذلك، لا تثير هذه الفضيحة أحدًا من جماعة الشرق الأوسط الكبير، لا سياسيـاً ولا عسكريـاً. وكأن هذه الأسلحة مجرد حمامات سلام، "تحلق في فضاء الجيران"، والمنطقة كلها تـنثر الورود والياسمين في خدمة التسوية الموعودة. أعداؤنا ليسوا عباقرة، كل ما في الأمر أننا استهوينا العجز.

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)