والزجاج نصف المفتوح سرعان ما سيسدّ بالكامل (حسين بيضون)
يبيع الطفل مناديل ورقية على أحد تقاطعات العاصمة اللبنانية بيروت. هو غالباً طفل سوري نزح مع أهله إلى بلاد الأمان. لكنّ الأمان ليس ذا تصنيف واحد. فهو قد نجا فعلاً من الصواريخ والغارات والبراميل والاشتباكات، ومع ذلك لم يجده.
طفولته لم يعد يسأل عنها، ولا أحد يهتم بها أساساً. عند التقاطع يزجره السائقون، والمارة. وإذا صادفه شرطي لحق به، لا ليقدم له مساعدة اجتماعية، ويدخله إلى المدرسة، ويؤمن له سكناً لائقاً وحياة كريمة تليق به كإنسان وكطفل. فتلك من أسباب الرفاهية غير المخصصة لأمثاله. هو يلحق به فقط ليطرده من المكان إلى حين، ويسمح له بالعودة مع رفاقه بعد ذلك، في ظلّ التجاهل الرسمي التام لأطفال الشوارع.
صورة الطفل تنعكس على معدن السيارة، ترسم ملامح البؤس في وجهه. والزجاج نصف المفتوح سرعان ما سيسدّ بالكامل. ويترك الطفل وحده، مع مناديله التي يمتنع عليه حتى أن يسحب منها ما يمسح به عرقه صيفاً، أو يجفف به الماء عن رأسه شتاء.