ألغام في المستقبل

ألغام في المستقبل

06 مارس 2017
+ الخط -
ليتنا نستطيع إيقاف الحاضر الذي نعيشه، على الرغم من قسوته وصلبه على جدار الزمن، ليكون سداً بوجه الغول القادم والوحش المفترس، وأقصد المستقبل الذي كنّا نعلّق عليه آمالاً كبيرة، فقد حمّل المتجبرون الجدد المستقبل بألغام عديدة ستنفجر بساحات أحلامنا وآمالنا لتنهيها، إن لم تنهِ حياتنا ووجودنا على ظهر البسيطة.
أول أذرع الغول القادم هو الدارونية الاجتماعية، وهي النظرية "العلمية" التي بناها هيربرت سبنسر على مبدأ نظرية داروين في التطور، والتي قضت بأنّ أنواع النبات والحيوان الأقدر على تحمّل التغيرات البيئية هي التي تستمر في الحياة، بينما الأنواع التي لا تتماشى مع التطورات الجديدة فتندثر وتنقرض.
وسمّى هيربرت سبنسر هذا المبدأ "البقاء للأصلح"، ولأنهم لا يملكون حسّاً إنسانياً على الإطلاق، فقد قرّروا تطبيق مبدأ البقاء للأصلح على المجتمع الإنساني، وأطلقوا عليه اسم "الدارونية الاجتماعية"، أي أنّ حياة الناس في المجتمع ليست إلا صراعاً من أجل الوجود، يحكمه قانون "البقاء للأصلح"، كما في أنواع الحيوان والنبات.
ولذلك يصرّ مؤيدو الدارونية الاجتماعية على تفعيل نظرية رأسمالية السوق الحر، أي إبعاد الدولة عن الشؤون الاقتصادية وترك المجال للتنافس الشرس الذي لن يخرج منه متوسطو الحال مادياً سالمين، ناهيك عن الفقراء.
وسلاح آخر سيحمله المستقبل هو الفرد ذو السيادة، وهو الملياردير أو المليونير الذي سيكون ذا سيادة واستقلال، كما الدولة ذات السيادة! وهو شخص جشع وفاقد للحس الإنساني والوطني، ويعمل على تقويض دولة الرفاه، أي الدولة التي تقدم خدمات كبيرة، لمواطنيها معاشات التقاعد، ودعم أسعار المواد الأساسية، كالدواء والغذاء والتعليم المجاني في دول كثيرة، ومساعدة المواطنين للحصول على سكن إلخ.
هذا الفرد أو تلك الجماعات كلما شبعوا، جاعوا! فهم لا يرغبون بدفع الضرائب لدولتهم التي توفر لهم البنية التحتية والأمن، حيث يرون هذه الضرائب مبالغا فيها. ولذلك، قرّروا الهجرة إلى عالم الإنترنت، وإدارة أعمالهم منها، ولو من بلدان أخرى، أو حتى من جزر صناعية في عرض البحر، وسيستخدمون التشفير غير القابل للاختراق والنقود الرقمية للتمويه وخداع مصلحة الضرائب.
وبهذه العملية، تكون دولة الرفاه قد خسرت أموالا كثيرة كانت تجنيها من الضرائب، وتنفقها على مواطنيها، ما يدفعها إلى الانقراض وظهور "الفرد ذو السيادة"، بدل دولة الرفاه، فمن بعدها يدعم احتياجاتنا الأساسية؟
وهناك أحدث الأسلحة، وهو سلاح لا يقل خطورة عن سابقيه، وقد قطع مرحلة مهمة في التكوين: اليمين البديل، وهو اليمين الذي يتبنى العنصرية الصريحة والضمنية، وتفوّق العرق الأبيض.
هذا اليمين ناقم على اليمين المتطرف السائد حالياً، لأنه يعتبره ضعيفاً وعاجزاً، لأنه لا يدعم بشكل فعال العنصرية والعداء للسامية، وربما هذا الأخير شيء جديد، وخصوصا بالنسبة لنا نحن العرب.
ويعرّف اليمين البديل نفسه بأنهم يرفضون المساواة والديموقراطية والعولمة وتعدّد الثقافات، وهم يؤكدون على إنجازات البيض، وتفوقهم العقلي والثقافي المزعوم! وهم يديرون الآن عدداً من مراكز البحث، والمنشورات المباشرة على الهواء ودور النشر، ويعملون على جذب الشباب إلى اعتناق هذا الفكر المتطرف.
ربما لم يعد هناك من آمال يُخشى عليها لأبناء جيلي، ولكن أحلام شبابنا وأطفالنا ستتبدّد على أيدي وحوش العصر. ربما الذنب الأكبر لمعظم البشر أنهم فقراء، أو أنهم ذوو بشرة ليست بيضاء، فلولا السبب الأول، كان يمكن تجاوز الثاني، ولكن إذا وُجد الأول (الفقر)، يظهر الثاني تلقائياً. ونخافهم ليس لأنهم يملكون فائضاً من القوة، بكل أنواعها التكنولوجية والإلكترونية والعسكرية فحسب، بل لأنهم أيضاً بلا أخلاق، أو حس انساني، فتدميرهم الدولة الوطنية أو دولة الرفاه هو شبه إبادة لعشرات أو ربما مئات ملايي البشر.
C08B7081-1CE2-4B17-9D6D-46F8848C3176
C08B7081-1CE2-4B17-9D6D-46F8848C3176
توفيق الياسين (سورية)
توفيق الياسين (سورية)